من قتل سالم ؟


بسم الله الرحمن الرحيم

من قتل سالم ؟!

سالم طالب في الصف الأول الثانوي ، يعيش مع أمه ، مشاكس وعدواني ،
مدخن ، كثير الغياب ، مهمل في واجباته ، لا يصلي ،
والده يعتذر عن زيارة المدرسة كلما طُلب
لانشغاله بأبنائه من زوجته الأخرى .

كان هذا تقرير المرشد الطلابي عن سالم
بعد أن تم إصدار قرار حرمانه
من مواصلة دراسة الفصل الدراسي الثاني
لتجاوزه النسبة المحددة في الغياب .

سالم وُجد ذات صباح على أحد الأرصفة المقابلة للمدرسة ، وقد فارق الحياة .


محاكمة قتلة سالم 

المشهد ( داخل قاعة المحكمة )

الادعاء / سيدي القاضي ان المتهمين في هذه القضية هم الوالدان والمدرسة والمجتمع وهم شركاء في القتل العمد لسالم واطالب بان يطبق عليهم اقصى انواع العقوبة 

الدفاع / لقد اسرف الزميل ممثل الادعاء في حكمه وقد نسي او تناسا ان الحكم لله اولا واخرا ثم للمحكمة فهولاء كلهم لم يكونوا قتلة ... نعم تقصيرهم واضح ولكنهم لم يقتلوا سالم ابدا 

الادعاء / انا احتج بشدة فالواقع يقول ان هولاء قتلة 

القاضي / دعه يكمل دون مقاطعة 

الدفاع / هناك من لا يعرف ابويه أصلا ولم ينعم بتربيتهم وخوفهم عليه فقد عاش يتيما معدما فاصبح من الناجحين في هذه الحياة فلماذا يتهم الوالدان اذا.. فإذا كان موتهم جعل من ابنائهم رجالا فكيف بمن يعيش بينهم .

القاضي / كلامك منطقي .. ليتكلم الان الادعاء 

الادعاء / يقول الشاعر : 
ليس اليتم من انتهى ابواه من .. هم الحياة وخلفاه ذليلا
فاصاب بالدنيا الحكيمة منهما.. وبحسن تربية الزمان بديلا 
ان اليتيم هو الذي تلقى له.. اما تخلت او ابا مشغولا
فوجود الاباء المهملين اشد على الابناء من موتهم فالدلال والقسوة وعدم الاهتمام خناجر مسمومة تغرز كل لحظة في ظهور الاولاد وقد ينفصلان فتكون كارثة 

الدفاع / وهل هناك اب او ام يتمنى لابنه هذا الوضع وهذه النهاية حتى وان كانا منفصلين لا اظن ذلك ولهذا فانا اطالب ببراءتهما من التهمة الموجهة لهما
القاضي / وماذا عن الاسباب الاخرى في نظرك ايها الادعاء 

الادعاء / المدرسة وما ادراكم ما المدرسة .. اين احتوائها لسالم هل درست مشاكله هل عرفت اسباب جنوحه سلوكيا لقد ثبت تقصيرها وضلوعها في قتل سالم فأنا أطالب بأقصى العقوبات عليها 

الدفاع / ولكن المدرسة الان قد سلب منها كثير من ادوارها فكيف تتهمها بما لم يكن لها فيه دور ففاقد الشيء لا يعطيه فقد حوصرت العملية التربوية والتعليمية بمجموعة من الروتين الممل والذي ضرره اكبر من نفعه ولهذا فانا اطالب المحكمة بتبرئة المدرسة من التهمة 

القاضي / كلامك منطقي جدا والان ماذا لدى الادعاء عن المتهم الثالث 

الادعاء / أنظروا الى المجتمع بكل أطيافه فله دور كبير في القتل فهو لا يتقبل امثال سالم بل ويزدريهم وينبذهم وهذا ما يزيد عليهم الضغوط والهموم وكان من المفروض ان يحتويهم ويدمجهم داخل مؤسساته فهم من ابنائه فاصلاحهم اولى من تهميشهم

القاضي / كلام منطقي وصحيح فهل لدى الدفاع ما يقوله 

الدفاع / المجتمع هو انا وانت وانتي فلماذا ترمى عليه التهم دائما دون تدقيق او تمحيص فلنسأل انفسنا هل نرضى بقتل سالم او غيره لا والله لا نرضى فكيف نقتله اذا فان كان هناك القليل من افراد المجتمع يجهلون التعامل مع هولاء فان الاكثرية يعطفون ويقدمون النصح والتوجيه فانا اطالب المحكمة بتبرئية المجتمع والمدرسة والوالدين فالقاتل لايمكن ان يكون منهم ابدا والا لقلنا على الدنيا السلام

القاضي / ترفع الجلسة للمداولة ثم اصدار الحكم

(يعود القاضي .... صمت وترقب )

القاضي / حكمت المحكمة بأن قاتل سالم هو .......

( هنا يدخل شخص غريب ويخاطب القاضي )

الغريب / لايهم أيها القاضي أن تحكم او لا تحكم بان احدهم او جميعهم من قتل سالم فلا فائدة من ذلك لانني سأجد طرقا كثيرة واساليب مبتكره غير هولاء الذين في قفص الاتهام وساجعل من هولاء الشباب صيدا سهلا لكل انواع الشرور 

القاضي / ومن انت .. ومن اين دخلت ..ولماذا اتيت في هذا الوقت ؟ 

الدفاع / هل يأذن لي القاضي لاتحدث 

القاضي / تفضل 

الدفاع / لكأني بهذا الغريب هو من جعل الوالدين يقصران في تربيتهما وهو من جعل العلوم المدرسية تذهب ادراج الرياح و من جعل افراد المجتمع يقولون مالنا وللاخرين ولا شك لدي بانه هو الذي وسع الهوة بين النظرية والتطبيق فأصبحت المباديء في واد وتطبيقها في واد اخر فأنا اطلب من المحكمة وفي هذه اللحظة أن تقبض عليه وان تودعه القفص فهو والله القاتل الحقيقي فقد عرفته واظنكم عرفتموه ايضا انه الجهل نعم انه الحهل الذي قتل منا ومن ابنائنا الف سالم وسالم وهوالذي ابعد الكثير من ابنائنا ورجالنا ونسائنا ومجتماعاتنا عن معين ديننا الصافي والذي فيه كل الخير فلو تمسكنا جميع به لما رأينا مدمنا ولا فاشلا ولا منتحرا 

القاضي / أحسنت ايها الدفاع فقد وضحت الصورة الان فالجهل عدو الجميع وهو القاتل الحقيقي ليس لسالم وحدة بل هو قاتل الامم والشعوب فجهل الانسان والمجتمع ومنظومة التعليم لدورهم الحقيقي في هذه الحياة هو الخنجر المسموم الذي نغرزه في خواصرنا وبرغبتنا وارادتنا
ايها الشرطي اقبض عليه فإنه القاتل الحقيقي فلعل مجتمعنا ينطلق من جديد دون عائق حتى لانجد بعد اليوم سالما اخر ملقى على الرصيف بل سنجد شبابنا سالما من كل افات العصر وقد تسلح بالعلم والايمان .

انتهت المحاكمة 

نعم انتهت المحاكمة وقبضنا على قاتل سالم وأودعناه القفص ولكني على ثقة بأن هناك من سيطلق سراحة من جديد ، ليس حبا فيه ولكن لمصلحة ما سيبقيه حرا طليقا ، فهل نستطيع القصاص لسالم حماية لنا ولاجيالنا وسط اجواء المصالح الخاصة هذه ، وهل نرى في رجالنا ونسائنا وابنائنا وبناتنا من يسبق اليه قبل ان يغادر القفص فيقتله ، أم اننا سنضطر مستقبلا لتكرار هذه المحاكمة لسالم وسالم وسالم .

من يريد قتله فلا يخاف من القصاص ابدا 
فقد اهدرنا دمه .

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript