دموع العناقيد




دموع العناقيد 



كانت بالامس القريب تحمل الامها .. ومستشرفة لأمالها .. تنطلق صباحا قبل اشراقة الشمس  بوقت كاف ..لتعود الى بيتها  رغم قرب مزرعتها منه.. في الوقت المناسب ..قبل اشتداد حرارة الشمس ..
لم تستسلم لمرضها العضال ..الذي انهك جسدها ..بعد ان انهكتها السنون..
كانت تنتقل الى مزرعتها بجهد جهيد  .. عبر منحدرقصير ولكنه صعب على من كان في مثل حالتها..انه طريق يربط بين بيتها  وحقلها ..تسير فيه مستعينة بالله سبحانه ..ثم متوكئة على عصاتها  .. الى جانب المتابعة اللصيقة احيانا من احد ذويها .. حتى اذا ماوصلت لهدفها .. تنقلت بين اشجار بستانها .. وكأنها تناجيها وتسألها عن حالها واحوالها  .. حتى اذا اتعبها السير والوقوف .. جلست الى ظل شجرة .. تراقب الماء وهو ينساب  في جداوله عذبا نميرا ..   فترفع بصرها الى السماء  ..تمد اكف الضراعة لمولاها ..بان يغفر الله  لرفيق دربها .. الذي لازلت تتذكره بكل جزء من ذلك البستان ..  كانت توصينا دائما بان لانفرط في زراعة ذلك المكان .. محيلة ذلك الطلب بانه رغبة والدنا  .. مع تذكيرها لنا بان في ذلك صدقة جارية .. للناس والطير والحيوان ..  ولكل ذي كبد رطبه
كانت تهتم اهتماما خاصا بمحصول العنب ..فهي تتابعه يوميا ..تهتم بحفظه  أيما اهتمام ..وتغلف بيدها كل عنقود بمفرده .. ومن يشاهد حرصها على ذلك يعتقد ان الدافع وراء ذلك انما هو الحرص على جودة المنتج .. في سبيل بيعه في الاسواق بثمن افضل ..  ولكن الحقيقة ان ماتفعله هومن اجل شيء اخر ..  انه من اجل ان تطعم الاهل والجيران والاقارب  ومن يمر على المكان  من ثمارها الجيدة .. ولم تفكر في يوم من الايام ان تعرض ما تنتجه مزرعتها للبيع ابدا .. فكان يأتي العنب في مزرعتها  مختلفا عن غيره في المزارع الاخرى ..من حيث جودته  وكثرته وسهولة الوصول اليه  .. وكم كنا نمتع انظارنا بمشاهدة فرحتها وهي مرتسمة على محياها.. عندما تقوم بتوزيع ذلك المحصول اوغيره .. فتبات حينها قريرة العين هانئة البال ..  لاعتقادها بان تعبها خلال العام لم يذهب سدى
واليوم يمرعليها ما يقارب العام وهي على فراش المرض  .. ومع ذلك فهي تتمتم احيانا واثناء غيبوبتها بكلمة الوادي .. وكأنها تعرف مدى  حاجته اليها .. بل كأنها تستمع اليه وهو يناجيها .. فهاهي تجاوبه رغم غيابها عنه ..بل رغم غيابها حتى عن نفسها..
اخبرتني شقيقتي الكبرى بانها وصلت هذا الصباح الى بستان امي .. ووصفت لي الحال هناك .. وخاصة عناقيد العنب .. التي لم تكن كعادتها كل عام .. فقلت لاختي : ولماذا تستغربين ؟ ! الا تعرفين حال المهموم ؟!..ومن يفتقد عزيز عليه ؟ الا ترين ان الجماد يحن لصاحبه ويحزن عليه بل ربما اهتز من البكاء .. رغم اعتقادنا بانه لاحياة فيه ؟!  اين انتي من قصة الجذع الذي بكى عندما استبدله النبي صلى الله عليه وسلم .. ولم يهدأ الى بعد ان ضمه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه .. انها ادلة ثابتة على ان هذه الغريزة قد اوجدت حتى في النبات ..فهي ان وجدت في الجمادات فالاحياء اولى بها .. فما يدريك ياخية بان عناقيد العنب قد هدها  الحزن .. واضعفها الشوق .. فقد استفقدت بالفعل من كانت ترعاها وتهتم بها .. اني والله ياخية لأعتقد تمالما .. عناقيد والدتك انما هو الحزن والبكاء .. فان لم نشاهد تلك الدموع  فان هذا لا ينفي وجودها
فاسأل الله تعالى ان يمن على والدتنا بالشفاء وان يتلطف بها وان يحسن خاتمتها وان يجعل لها بكل قطرة ماء بذلتها وبكل ورقة سقطت اوبقيت  وبكل ثمرة من بستانها  حسنات مضاعفة اضعافا كثيرة

علي بن سعد ساعد
الاطاولة 13/8/1431هـ


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript