في أحضان الوادي



بسم الله الرحمن الرحيم
                                                      
في أحضان الوادي
                                                 
في زيارة خاطفة هذا المساء لصديقي وحبيبي الذي كنت بقدر ما اتمناها وانتظرها كنت أخافها وأتهيب منها .


 ليس لضعف حسي ولكن لضعف يعتريني امام من أحب ، ليس اعترافا مني ، فهذا ما يعرفه عني كل من تعاملت معه بحب وكثيرٌ هم  .

قد تستغربوا من استعمال (من)  بدلا من (ما) فالمخاطب في نظركم غير عاقل ، إذ لا يليق به إلا لفظ (ما) ولكن اعذروني فمن أخاطبه هنا يختلف عن كل من لا عقل له .

الوادي الأخضر أو الوادي التراثي أو الوادي القديم بالأطاولة ، لي معه حكايات وحكايات ولنا مع بعضنا علاقة وطيدة هي أشبه بالصداقة ، بل القرابة اللصيقة ، بل لا ابالغ إن قلت هي النفس ذاتها .

فعلاقتي مع هذا المكان أكبر من أن توصف وأعظم من أن أبرر للناس سببها ، فمن سبق له أن عاشر الزرع والأرض ، ومن عرف نتيجة الإهتمام بمن يحب او ممن يحب ، سيجد ما وجدته ، سواًء كان المحبوب إنسانا أو نباتا أو حتى أحجارا و ترابا .

مررت بجواره ليلة الأمس في طريقي من السفر فتسارعت لذلك دقات القلب وانتشت الرغبة بداخلي للتوقف ولو للسلام ، ولكن لحاجة في نفس يعقوب وعدت قلبي وروحي وجسدي أن اصطحبهم غدا إلى المكان ليشبع كل منهم بحبيبه ، ويرتوي كل بصاحبه .

وما أن دخلت الوادي حتى أحسست بأن كل ما فيه قد فز لاستقبالنا ، نعم استقبالنا ، فنحن رهط من المشاعر ، روح وقلب وجوارح ، ولا اظن الوادي إلا مثلنا يحمل قلبا وروحا وجوارح ، علمها من علمها وجهلها من جهلها .



دخلت وما أن وضعت أقدامي على رصيف المشاة حتى أحسست بالأرض الخضراء الطبيعية تدعوني للسير عليها وكانها تقول لي متباهية ، الا ترى جمالي ، الا ترى كم ازدانت هيأتي ؟

لبيت طلبها فسرت قليلا عليها ، وما أن تقدمت قليلا حتى سمعت حفيف أوراق الذرة وقد شاخت وهرمت واصفر لونها ، وكأنها تقول لي : حمدا لله على سلامتك ، وأشكرك إن رأيتك قبل أن أغادر المكان فقد حان الرحيل .


ازحت وجهي قليلا لأمسح دمعة خرجت قسرا من هول المشهد ، فسبحان الله ، فمنذ ان وضعت البذرة ، إلى فرحتي بأول خروج لها وهي تشق الأرض ، وكأني كنت أنتظر مولودا عزيزا غاليا ، إلى النمو المطرد الذي كنت أرعاه يوما بعد يوم ، إلى أن طال زرعي وعانق الفضاء ليمتع الناس بجمال متظره وروعة قوامه ، الى أن خرجت ثماره واستمتع الناس وتلذذوا بذلك ، واليوم اراني أشاهد ما لم اتمناها ، ولكنها سنة الحياة ، فالزرع في مراحله لا يختلف عن الإنسان في مراحل حياته .

واصلت طريقي فإذا بشلالات المياة ورعلان البئر والسقيفة كل منهم يدعوني من مكان ، لم اتجاهل كل هذا فقد أرضيت كل منهم ، حتى العشة والوسفة والفلج والدبل كادوا يرقصون طربا وفرحا .

جلست ما يقارب الساعتين وحيدا لم يشغلني عن صاحبي أحد ، تذاكرنا التعب الذي أرهقنا والهم الذي لحقنا ، ولم ننس السعادة التي كانت تغمرنا بعد كل انجاز .


وعند الغروب استأذنت حبيبي وصديقي في الذهاب فقد دنا الليل  ، فإذن لي بعد أن تشبث بي كثيرا .

كان في حاجة ليخبرني عن حاله وعن زواره وعن سعادته بكل قدم سارت عليه أو ستسير اليه .


احتضنته مودعا كاحتضانه لي عند اللقاء ، وقد بدت السعادة على محيانا وارتسمت بسمة الرضا في شفاهنا ، ومد كل منا أنامله ليمسح دمعة الاخر .

علي بن سعد الزهراني
الاطاولة ، مساء الاربعاء
     1441/1/5هـ 
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript