ومات بريق .. ولكن لم ينطفئ بريقه

          بسم الله الرحمن الرحيم                      

           









مقال في ذكر بعض من سيرة الوالد عبدالله بن أحمد كبسي (بريق ) وذلك بحسب ما أعرفه عنه ، ولدى الاخرين ما هو أكثر وأكثر من صفات حبيبنا أبي عبدالرحمن رحمه الله تعالى .

ومات بُرَيق .. ولكن لم ينطفئ بَرِيقه

ماذا عساني أن أكتب وماذا عساني أن أقول ، فقد تزاحمت في ذهني الكلمات وتسابقت في رأسي الجمل ، وانطلقت ندا لند كالخيل الضُّمَّر في ميدان السباق ، الكل يستشرف ان يكون له القدح المعلى في الحصول على موقع في هذا المقال ، فلا اجمل من ان تطرز الجمل والكلمات والاحرف نفسها بذكر شيء من حياة رجل احبه الجميع .

رجل لم يعرف الا بسمته الحسن وايجابياته المبهرة ، كان رحمه الله مرحا محبوبا لا تمل الحديث معه ، محبا للجماعة مشاركا فاعلا في افراحهم واتراحهم ، ومع ذلك فهو ذو بصمات وانجازات لم يسبقه اليها احد ، وذو اولويات لم يفطن لها في ما أعتقد غيره .

رجل لا تكاد تسمع صوته ، ومع هذا فانه ان تحدث اوضح ، لين الطبع قليل الكلام كثير الفعال ، ان ارتفعت اصوات من يجالسهم عرفته بصمته وهدوئه ، حتى وان حضر مجلس صلح تغلب عليه الضوضاء ويكثر اللغط ، فإنك لا تكاد تراه الا مطرقا ، وكانه يبحث في كومة قش عن ابرة يفجر بها تلك البالونات المتضخمة أهواء لا هواءا .

حدث ذات مرة ان وقفت وانا طفل صغير على نزاع بين مجموعة رجال ، ارتفع الصوت وهموا ببعضهم شرا ، وكنت استغرب صمته واطراقه ، ولكنه عند لحظة الحسم تكلم ، ولكن ليس كاي كلام ، فقد اخرج من فمه جملة عن خطبة ، كم تمنيت ان حفظتها لاذكرها للأجيال ، جملة اطفا بها الخصام واعاد بها توازن القول والعقل ، فعاد القوم الى رشدهم ، لينفض الجمع بسلام وامان وقناعة .

بريق كما عرفناه رجل ضمن رجال الاطاولة المساهمين في ازدهارها  وحضارتها عندما كانت مقصد كل الناس من قريب وبعيد ، انهم اولائك الرجال المعروفين بسبقهم وابداعهم فاستحقوا باولويتهم وخدماتهم الفريدة ان يحتلوا قلوب الناس ، فكان ابو عبدالرحمن في مقدمة الركب ، حيث عمل نجارا وخبازا وفلاحا وتاجرا وطباخا .

وانت في ارض سوق الربوع ، ستجد هناك وفي وسط تلة مرتفعة قليلا  جنوب السوق ، ومن جهتها الشرقية ، وتحديدا مكان عمارة العم عبدالرحمن السمع (جعدان) رحمه الله يقع مقهى عرف بـ (قهوة بريق) ، كانت نقلة نوعية في استقطاب الجميع ، فكانت تعد اول منتدى للشباب والرجال ، ومستراح للمسافرين والعابرين  ، وكانت تعد فندقا للمبيت ومطعما يفد اليه الناس ، ليس ليوم الاربعاء فقط ، بل كل أيام الأسبوع ، كان يعمل بنفسه خبز التميس والفول والشاي و كذلك الخبز العادي  ، ورغم وجود العمال اليمنيين ذلك الوقت بكثرة ، الا انه احب توطين العمالة فقد كان يستقطب الشباب دون غيرهم ليقوموا بالعمل معه ويساعدوه بمقابل مادي .

كان يمنح المكان والمحتوى لمن يريد دون مقابل ، ففي زاوية من المقهى نجد  الجزارين القادمين من بلاد غامد ، وفي ايام رمضان نجد في زاوية اخرى من يعمل على صنع الاكلات الرمضانية ، التي كانت تعد ذلك الوقت من عجايب الزمان ، وتجد المعلمين العرب وهم ياتون بصواني الكعك والحلويات والمعجنات لتسخينها في فرن المقهى .

كان رحمه الله ضمن رجال الاطاولة السبعة عشر الذين اصبحت اسماؤهم ايقونة للتضحية والشهامة ، حين تساقطوا واحدا تلو الاخر في بئر الطويلة قبل خمسين عاما تقريبا ، كلهم كانوا في سباق محموم  لانقاذ بعضهم دون حساب للعواقب ، وكأن القوم في مشروع انتحار جماعي ، ولكن كان لطف الله ورحمته بهم اعظم من تقديرهم ، اذ من عليهم جميعا بالسلامة ، كتب الله اجرهم ورحم من مات منهم وامد في حياة من بقي بالصحة والعافية .  

في عام 1403 تقريبا زارنا التلفزيون السعودي ممثلا في تلفزيون المنطقة الشرقية ليصوروا فلما وثائقيا عن الزراعة باستخدام السواني ، فكان هو والعم احمد بن غازي والعم سعيد بن غرم الله رحمهم الله من نفذوا ذلك العمل ، وكم اود لو ان احدا له معرفة بالعاملين بالتلفزيون ان يحصل على ذلك الفلم فهو كنز ثمين .

تألمت كثيرا عندما زارنا رحمه الله في ايام المهرجان في الوادي التراثي ولم يستطع سوى الوقوف بعيدا ، والاكتفاء بالنظرة العامة .

رحم الله العم عبدالله و اكرم نزله وجزاه بالاحسان احسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا .
كتبه علي بن سعد الزهراني 
مكةالمكرمة  1441/4/1
TAG

هناك تعليقان (2)

  1. رحم الله العم عبدالله بريق
    رحمة واسعه واسكنه فسيح جناته
    فقد كان له بصمة في سوق الربوع
    وعلى الأطاولة بصفة عامة
    شكرا لك أبو عبدالله

    ردحذف
  2. رحمه الله وماقلت إلا حقا في العم عبد الله رحمه الله

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript