أبشر أبا سعد



أبشر أبا سعد 
 فإنما الاعمال بالنيات

وانا اشارك في وداع الاستاذ احمد بن جمعان ال عبدالله الزهراني رحمه الله تعالى حيث دفن بعد ظهر اليوم الاربعاءالموافق  1430/2/30هـ  بقرية بني محمد   كانت فكرة هذا الموضوع .

                 بسم الله الرحمن الرحيم

ها أنا وقد عدت بعد ان وقفت علي شفير قبرك اودعك الوداع الاخير في هذه الدنيا .. نعم عدت يا ابا سعد الى المكان الذي التقيتك فيه قبل يومين  .

رحمك الله يا أبا سعد ... والهم ذويك الصبر والسلوان على فراقك ... لقد احرق فؤادي خبر وفاتك ... ليس جزعا ولا اعتراضا على اقدار الله ... فلكل منا ساعة لن يتجاوزها .

لقد زارني ابو سعد وفي جعبته الكثير من الذكريات ... والكثير من العتب على تقصيرنا في مواصلة بعضنا ... فعلاقتنا ليست مجرد سؤال عن الحال كلما التقينا في طريق ... انها علاقة اسمى وارقى من ذلك ... انها تحتاج الى تطبيق عملي ، فهي امتداد لصداقة ابوينا ... يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى)) .

ما اوسع رحمة الله عز وجل، فالبر بابه واسع لا يختص بالوالد والأم فقط ؛ بل حتى أصدقاء الوالد  وصديقات الأم ، إذا أحسنت إليهم فإنما بررت والديك فتثاب ثواب البار بوالديه ، وهذه نعمة من نعم الله عز وجل أن وسع لعباده أبواب الخير وكثرها لهم ، حتى يلجوا فيها من كل جانب ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا والمسلمين من البررة ، إنه جواد كريم .

كان ابو سعد يذكر الكثير عن تلك الصداقة بين ابوينا رحمهما الله .. ولكن لصغر سني آن ذاك لا اتذكر الا القليل... كان العم جعان رحمه الله يتناول قهوته وفطوره مع والدي وهو في طريقه لعمله ... وكذلك في عودته ... وقد يتناول العشاء معه أيضا ... وقد يؤثر ان ينام عنده احيانا ليكون اقرب للمكان الذي يعمل فيه .

سألت ابي يوما قبيل وفاته رحمه الله ... ماسر تلك الصداقة التي لا تزال عالقة في ذاكرتك ... فكان يجيبني بقوله : الارواح جنود مجندة ... فقد تكون ارواحنا وقلوبنا هي صاحبة الشأن ... فالاجساد تفنى والارواح تلتقي والقلوب مخازن لصدق المشاعر ... لقد كنا يابني نلتقي في كثير من الصفات ... وكأننا روح في جسدين .

معذرة ابا سعد ... فكلي تقدير لك ولزيارتك الغالية ... فانا وأنت لم نكن نعلم ابدا ان تلك الزيارة هي اخر لقاء بيننا في هذه الدنيا ... وان تلك النظرة عند باب سيارتك هي النظرة الأخيرة ... وكانك ما اتيت الا لتقول ما يقوله المسافر في الزمن الجميل : اتيت لتقول لأخيك انك مغادر بعد ايام قليلة ...فماذا سأقول لابوينا عند استقبالهم لي غدا او بعد غد .. هل اقول لهما اننا قد نسينا مع زحمة الحياة تلك المودة والمحبه التي كانت بينكما ؟... هل اقول لهما ان صداقتكما اطفئت بموتكما ؟... ام ماذا عساني ان اقول ؟ 

اطمئن يا اباسعد ... فانت قد اديت الذي عليك ...ويكفيك تلك النية الصادقة ... فانت على خير وإلى خير ... والاعمال بالنيات ... وإن من عظيم أمر النيّة ... أنه قد يبلغ العبد منازل الأبرار ، ويكتب له ثواب أعمال عظيمة لم يعملها ، وذلك بالنيّة .

قل لهما يا أبا سعد ... اننا لازلنا على العهد ... وان حالت الايام ومشاغل الدنيا بين تزاورنا .
قل لهما ان صداقتهما لازالت راسخة في اذهاننا وان ارواحنا وقلوبنا لازالت تعيش على ذكراهما وان قلت الخطوات بيننا .

قل لهما لم يعد زماننا كزمانهم ... فلم نعد نطمع في تزاور ابناء الصديقين بعد موتهما ...فإن ذلك في زماننا اصبح ضربا من الخيال ... بل لم نعد نطمع في تواصل الاصدقاء انفسهم ... فالامر اصبح اشد خطورة مما تتخيلون .

قل لهما ان القريب في زماننا... قد قاطع قريبه ... والاخ قاطع اخاه. 
قل لهما يا ابا سعد ...وبحرص شديد حتى لاتكدر عليهما صفوهما ... اننا نعيش في كارثة لولا لطف الله بنا ... فالاولاد والاباء ايضا قد طالهم الوباء .
واذا رائت علامات التعجب بادية على وجوههم يا اباسعد ... فذكرهم عندما كانا يقتسمان اللقمة الواحدة بنفس راضيه .

ذكرهم يا ابا سعد... بتلك المودة والتضحية التي كانت بينهم ...رغم انهم لا يمتون لبعضهم بصلة قرابة او رحم ... وقل لهم يا ابا سعد ان كنتم قد تقاسمتم اللقمة ... فنحن من بعدكم قد تقاتلنا وتقاطعنا... ليس من اجل اللقمة التي تعرفون ... وكنتم تعتقدون انها مكفولة لكم من الرزاق ... ولكنها لقمة من نوع اخر ... لقمة لا تسمن ولا تغني من جوع ...لقمة كلما استقرت في اجوافنا طلبت لقمة اكبر ...حتى اعجزتنا الحركة من غير ما شبع ... لقد تنازعنا الدنيا فيما بيننا ... فكل يقول هل من مزيد ... لقد اشتد بنا التنافس اينا يملك اكثر من اخيه .

حينها يا ابا سعد سيعذرون تقصيرنا وسيستغفرون لنا

علي بن سعد ساعد
الاطاولة 30/2/1430هـ

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript