عودة سالم
اعتدنا في الاطاولة كل صيف على لقاء جماعي بهيج ، يلتقي فيه اكبر عدد من ابناء الاطاولة ، يجمعهم بفرح ومحبة وكرم اخونا وحبيبنا سالم شهوان رحمه الله .
بالامس عرفت بأن ابا أحمد لم يمت ، بل عاد الينا بعادته السنوية ، عاد ليتحفنا بكرمه ومحبته لنا ، عاد ليرينا من نفسه كم هو رجل عظيم اذ خلف لنا خير خلف لخير سلف .
نعم عاد الينا سالم ولكن في شخوص ابنائه البررة ، فما أجمل ان يسير الأبناء على خطى الاباء المباركة .
أحمد بن سالم وما ادراكم ما احمد ، احمد بالامس اعاد الينا اباه ، أعاده مكللا بالدعوات والامنيات بان يجعل الله مرقده روضة من رياض الجنة ، فكم اسعدنا باعادة اباه لميدانه المحبب اليه ، أعاده لميدان البر والصله ، ميدان الكرم والعطاء والسخاء .
ابني احمد ، ولا انس اخوتك ووالدتك وكافة اسرتك
دعني ايها الحبيب قليلا مع ابيك ، فقد اشتقت اليه كثيرا ، فلعلي استانس بالحديث معه ، فللحديث معه شجون .
حبيبي سالم ، هاقد عدت الينا فما اجمل العودة ، وما ابهى الاطلالة ، اتدري يا أبا أحمد انه برغم كثرة الحضور لم ار خلال وقت حضوري الا انت ، اتدري يا أخي انني كنت أتصفح سيرتك في وجوه ابنائك ، فكلما اقبل أحدهم او أدبر تذكرت اقبالك وبشاشتك وفرحتك بزوارك وضيوفك ، لم تكن غائبا عن المشهد ابدأ .
لم نكن لوحدنا من اسعدته عودتك اليوم ، بل هناك غيرنا من افصح عن شعوره وفرحته ، حتى وان لم ينبس ببنت شفه .
لقد رايت الاشجار من حولنا وهي ترسل اغصانها على رؤوسنا وكانها تهمس لنا نشوانة فرحانه ، اصغينا اسماعنا للهفة اشواقها اليك ، ولو انها تستطيع البوح جهرا لقالت لنا كلاما نعجز عن مجاراته ، لقد سمعت احداها وهي تتحدث لجارتها ، وقد علت اوراقها نضارة وجمالا ، وكانهما تشيران الى جمع الحضور وتذكر اسماءهم وتفرح بوجودهم ، ولكنها لا تلبث ان تحزن وتذرف الدموع ، فهناك من لم تره في مكانه فقد رحل مع حبيبهن .
سمعت حفيف اوراق الاشجار وكانه قادم من الماضي ليحيي الحضور ويهنيهم بعودة منتداهم السنوي ، الذي طالما ازهر واينع بهم ، بدعوة من ابي احمد رحمه الله .
التفت الي سالم وقال : اتدري ما الذي اسعدني من هذا الاجتماع ؟
قلت : نعم .. فاجتماع الاحبة مدعاة سرورك
قال : لا .. ان سعادتي حين ادخلتم السرور على بيتي وبستاني قبل اسرتي ، بل اني ارى المكان الذي تجلسون فيه الان كالعادة يكاد ان يحلق بكم في الفضاء فرحة وسعادة وسرورا ، فكم من صامت عاشق محب ، لو اذن له في التعبير عن مشاعرة ببنات لسان ، لسالت اودية وذابت جبال .
فوالله اني لارى السعادة الان تكاد ان تتفجر من كل مكان هنا من الاشجار و الازهار وحتى من اعماق ثرى الارض .
قلت له : اعلم هذا تماما فقد اتيت مزرعتك ذات يوم بعد دفنك بساعات فوجدت الحزن قد خيم عليها فاقتربت منها مواسيا معزيا ، ثم تحدثت الي حديث الام الثكلى والابنة المجوعة والأخت المكلومة اللاتي احسسن بفقد السند ، فشكون الي حال الوجع والالم الذي يعتصر الفؤاد .
هنا قال لي أخي سالم : ابلغ عني السلام وكل الحب لكل من مر من هنا ، حتى الهواء العابر و النسيم السائر .
ثم ابلغ اسرتي شكري وامتناني على لفتتهم الكريمة اذ اعادوا لي الحياة بدعوة هذه الوجوه النيرة .
ثم ابلغ احمد بان كمية الاجر التي وصلتني من هذا الفعل المتخم بالبر والمطر بالكرم والسخاء لا اكاد احصيها او اصفها ، ولولا ان الاموات لا يعودون اجسادا لعدت اليكم وعانقتكم شكرا وامتنانا ، ولكنها افعال الابناء الصالحة التي تعيد الاباء الى الحياة من جديد رغم رحيلهم ، فشكرا احمد وشكرا اخوته واخواته وشكرا ام احمد وشكرا ام سالم وشكرا لكل من حضر .
هنا انتهى الحوار وعدت محملا بمزيج من الحزن والفرح ، وبكثير من الدعوات الصادقات ان يرحم الله سالما واموات المسلمين وان يحفظ كل من سار على خطى ابيه الصالحة .
علي بن سعد الزهراني
الاطاولة 2 / 1 / 1445
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق