بسم الله الرحمن الرحيم
إلى ابنتي هاجر مع التحية
(من ضفاف بحر هالة ابعث لك هذه الرسالة)
لعل في الأمر خير ، ولعل القدر يخبئ لك ما هو أفضل
يقال : أنه عندما يحدث الكسوف ينشأ حول الشمس هالة من نور ، تكون أشد حرارة من الشمس نفسها . فهل لهالة من إسمها نصيب ؟!
،،،،،، هالة .. وما أدراك ما هالة ،،،،،،
هالة فتاة صغيرة تحمل من المشاعر والوفاء ما تعجز عنه الاف القلوب ، فاللهم أسعد قلبها ويسر أمرها وسخر لها من خلقك من يسعدها .
ابنتي الحبيبة هاجر
قبل سنوات طلبتي من أبيك طلبا كان بالنسبة له غريبا فلم يوافقك عليه ، فمات ذلك الطلب في مهده ، فأبيك لم يكترث للطلب كثيرا وأنت لم تصري على رغبتك احتراما لقراره ، ولو كان يعلم هدفك كعلمه اليوم لحقق لك رغبتك فورا دون تردد ، فبارك الله فيك إذ جعلتي رغبة أبيك فوق رغبتك ، مضحية بتلك المشاعر الجياشة والأماني العريضة المحملة بالشوق والحنين لصديقة صادقة مخلصة وفية ، كنت تحبين رؤيتها والجلوس معها بعد انقطاع .
اعترف لك اليوم بأن هالة التي كنتي تحبين زيارتها في مقر إقامتها البعيد ، لم تكن مجرد فتاة عادية قضت بصحبتك بضع سنين ، فهالة أكبر من ذلك بكثير ، فهاهي تعود إليك كرسالة بليغة وحدث مهيب ، تأملت موقفها فتعلمت منه مالم أتعلمه من قبل .
لله أنتي* ياهالة ، كم تحملين من مشاعر وأحاسيس ، فقد علمنا اليوم بان كل هذا الجمال الوجداني الذي اشرقت به روحك في فضائنا ليس ملكا لفئة من البشر دون أخرى ، فالسعيد من اخذ منه بنصيب وافر .
فها انتي* قد اسقطتي وبكل جدارة مقولة : فاقد الشيء لا يعطية ، وأثبتي أن فاقد الشيء قد يصنعه بتوفيق الله إن أراد ، ثم يعطيه لمن يحب ولمن لا يحب .
ابنتي الغالية هاجر
اذكر وأنتِ في المرحلة الإبتدائية وتحديدا بالصف الرابع ، بعد أن تم تدريبك لعدة أيام للمشاركة في حفل سيقيمه مكتب التربية والتعليم للبنات بالأطاولة على مستوى مدارس المحافظة وذلك بمناسبة تقاعد الأستاذة الفاضلة ليلى بنت سعد هندي ، وقد رأيتك صبيحة يوم الإحتفال كعصفورة أطلقت من محبسها لتقف مغردة للدنيا بزهو وابتهاج ،
ولكن كماهو الحال في بعض هذه المحافل ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، ففي عز النشوة والبهجة والإستعداد الواثق يتم استبدال مشاركتك بمشاركة من مدرسة أخرى لاتمت للمناسبة بصلة ، موقف وقرار غير محسوب النتائج ، قرار مرتجل غير مدروس كان كفيل بقتل الحماس والإبداع بداخلك وإلى الأبد ولكن الله سلم ، فهاهي أم طلال بعد أيام قليلة تصطحبك معها لحفل أكثر أهمية وحضورا ، فعلى مسرح الإدارة العامة للتعليم بالباحة ألقيتي مشاركتك لتعودي بعدها بمعنويات تكاد تلامس عنان السماء .
الم اقل لك لعل في الأمر خير ، ولعل القدر يخبئ لك ماهو أفضل وأجمل .
ابنتي المبدعة هاجر
انتهى مهرجان سوق ربوع قريش الرابع بالأطاولة ، وكلنا فرح وفخر بذلك المنجز الرائع ، مهرجان كان لك فيه بصمة جميلة واضحة ، كانت مشاركتك فيه إعلان ولادة فنانة تشكيلية مبدعة ، أحبت أن تكون انطلاقتها الفعلية من الأطاولة الغالية ، لتدون في سجلها الفني أول حضور وأول انطلاقة ، يعزز ذلك أول شهادة تشجيع من المهرجان حتى ولو كانت الشهادة لمجرد المشاركة
اعلم واقدر رغبتك ، وأعلم في الوقت نفسه وأقدر جهد المنظمين والذين كانوا وبدون مجاملة من أشد المعجبين والمشجعين والدليل موافقتهم لمشاركتك فورا ، كأول تشكيلية من الأطاولة تشارك في هذا المهرجان الرائع ، ولعل عذرهم ما قاله خراش :
تكاثرت الظباء على خراشٍ
فما يدري خراشٌ ما يصيد
اطمئني بنيتي ، فلعل القدر أبعد عنك ماهو مهم في نطرك لتنالي بتوفيق الله ماهو أهم وأكثر أثرا ، وهذا ما حدث معك فعلا .
فهاهي هالة وبطريقتها الخاصة والفريدة تملأ فضاءك سعادة وأنسا وبهجة ، فبعد أن تابعت عبر وسائل التواصل ماعرض لك من لوحات تشكيلية ، أفرحتها فرحا ترجمته بهدية ثمينة قدمتها لك رغم بعدها المكاني عنك وصعوبة تحركها للشراء والإرسال ، ومع ذلك لم تيأس حتى وجدت طريقة ذكية وسريعة وآمنة ، فقد قطعت هديتها المسافة بين أبها ومكة وتحديدا من لحظة شرائها الى لحظة تسليمها لك في ربع ساعة .
لعلك ابنتي لاحظتي صوت أبيك وقد خنقته العبرة ، والتي اوجبها الموقف عند رؤيته لتلك الهدية ، ومعرفة صاحبتها وظروف ارسالها حينها قال لك قول الواثق : وهذا تكريم اخر لم تتوقعيه ، بل هو تكريم بألف معنى ومعنى .
وأخيرا ... من تكون هالة ؟!
هالة أيها الكرام والكريمات ليست من طالبات التعليم العام وليست أيضا من ذوي الإحتياجات الخاصة ، بل هي والله من ذوي الإحتياجات العامة ، وهم فئة أشد حاجة من غيرهم ، فالحاجة لحضن الاباء والأمهات وسند الإخوة والأخوات لايعادلها حاجة ، فلعل هالة قد وجدت في هاجر وزميلاتها عوضا عن أخوات النسب .
فكم من هالة في دور الرعاية يحملن مشاعر وأحاسيس تعدل ماتحمله الاف الأنفس .
هالة تدرس الآن في السنة الثالثة بجامعة أبها بعد أن درست المرحلة الأبتدائية وطرفا من المرحلة المتوسطة بمدارس الأطاولة للبنات .
ختاما إبنتي
اقرئي هالة من أبيك السلام ، واعتذري لها نيابة عني ، إذ لم أكن أعلم بكل هذا التدفق الغزير من نهر الكرم والسخاء ، وهذا الفيض الزاخر من بحر الأحاسيس والمشاعر ، وهذا الوابل الهتان من الحب والوفاء ، والتي كانت مختبئة في أعماق تلك الأنفس البريئة .
والدك
علي بن سعد الزهراني
مكة المكرمة 1439/12/2
...............................................
* اعتذر عن الخطأ الإملائي المقصود والمتعمد في العبارات الموجهة لهالة حفظها الله ، فقد كتبت (أنتي) بدلا من (أنتِ) لأن هالة لا تستحق الكسرة حتى وإن كانت في الكتابة .
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق