استقبال ام وداع




بسم الله الرحمن الرحيم
                                                          
استقبال ام وداع
                                                     
أهلا وسهلا ...أهلا وسهلا
        قالها ترحيبا ..فانهمرت الدموع من الجموع
بهذه الكلمات  التي تبدو طبيعية جدا .. فهي من العبارات الدارجة على ألسنتنا كثيرا عند استقبالنا لأحبابنا  ولكنها في لحظة الوداع  لها وقع آخر وتأثير بالغ وردة فعل غريبة لم ولن يعقلها الدماغ البشري
 فقد سببت اصطداما عنيفا بين العقل والعاطفة  إذ لأتناسب بين اللفظ والحدث أنها كلمتين  نتداولها غالبا بمناسبة أو بغير مناسبة حتى أصبحت في كثير من الأحيان مجرد كلمة عابرة فما الذي جعلها هنا  تخرج مدوية محدثة زلزالا في النفوس
نعم فقد أحدثت زلزالا وجدانيا ارتج منه ذلك الفنا الواسع الذي ضم ألاف المصلين والمعزين ..

أهلا وسهلا ..أهلا وسهلا ..
بهاتين الكلمتين الموجزتين وبصوت مرتفع ومؤثر استقبل الشيخ صالح الحرفي ابنه الأكبر المقدم طيار عبد الله بن صالح الزهراني  الذي وافاه الأجل في اسبانيا وهو يتدرب على طائرة مقاتلة حديثة كان سيعود رحمه الله مدربا لأبناء بلده عليها 
فهاهو والده يستقبله بتلك الكلمات البليغات ولكن متى ؟ وأين ؟

لقد استقبل ابنه الحبيب وهو مسجى على النعش أمامه وفي فناء بيته  فيا الله  كم لهذا الموقف من  شأن تتقطع منه نياط القلوب   فالحمد لله الذي ربط على قلبك أيها الشيخ

لم يكن الأمر سهلا ولا الموقف هينا  فان يغيب عن الرجل ابنه وفلذة كبده  مدة من الزمن  ويحسب لعودته ألف حساب  ويمني نفسه باستقبال  يليق بابن بار  بوالديه ومجتمعه ووطنه ثم يفاجأ بعودته إليه مضرجا بدمائه  وقد فارقت روحه جسده لهو موقف صعب لا تحتمله رواسي الجبال

أعانك الله أيها الشيخ  وربط على قلبك  فلقد تقدمت للصلاة بالناس  وابنك الذي كنت تنتظر عودته ليواصل خدمة دينه ووطنه أمامك  في سيارة الإسعاف ولا يفصل بينكما سوى أمتار فلله كيف صبرت  ولله كيف تحملت ذلك الموقف العصيب وكأني بقلب الأب يكاد يقفز من صدره ليحتضن ثمرة فؤاده  ولكنه الإيمان بقضاء الله وقدره الذي نحسبه أهل له

وقف الشيخ صالح أمام الآلاف من الحضور قبل أن يؤم الناس على جنازة ابنه  ليقول للجميع كلمات كان لها أعظم الأثر في النفوس ابتدأها حامدا الله على قضائه وقدره  محتسبا ابنه في الشهداء إن شاء الله  موصيا الحضور بالإلحاح في الدعاء لابنه  بالرحمة  ولذويه بالصبر

وما أن فتح باب الإسعاف لإخراج جنازة ابنه رحمه الله إلا وبادرها بالاستقبال والترحيب فهاهو يراه لأول مره بعد سفره عنه  ليطلق في أسماع الحضور تلك الكلمات المؤثرة والتي تحمل معنى عظيما قد وصل إلى قلوب الحاضرين قبل عقولهم فهز منهم الوجدان  فانهمرت الدموع في نفس اللحظة والمكان  
انها كلمتان  طالما استقبل بها الأحباب  ولكنها  في هذه اللحظة ليس ككل اللحظات فقد خرجت من القلب إلى القلوب فلم يبق والله اعلم احد في ذلك الفناء الرحب  وبين تلك الجموع الغفيرة التي توافدت من كل مكان إلا وبكى وعلى نشيجه فكأنك تحس باهتزاز المكان كله من شدة بكاء الحاضرين 
لقد اختلط على الجميع الأمر فقد أتوا من أماكن عدة لوداع ذلك الشاب والصلاة عليه والدعاء له ومواساة أهله وذويه فافتقاده قد الم الجميع دون استثناء ولكن والده الفاضل  وبما يحمله من علم وإيمان قد حول  هذا الجمع بتلك الكلمات البليغات إلى كرنفال استقبال لاوداع   

لم يكن والده أو أقاربه هم المكلومون الوحيدون في هذا المصاب  بل  الجميع كانوا اهل مصاب فالحزن والوجوم قد عم الجميع  الصغير والكبير  المواطن والمسئول فلا تكاد تعرف أصحاب العزاء من المعزين  
جمع هائل من زملائه في القاعدة الجوية بالطائف رافقوا جنازته  من الطائف إلى قرية الدعية مهد الطفولة ومرتع الصبا لأخيهم وزميلهم رحمه الله في موكب مهيب يستحقه  ذلك الشاب البار  فالوفاء له منهم غير مستغرب فهاهم وقد أتوا لوداعه ولعزاء أهله  وهم في الوقت نفسه  أهل عزاء فالفقيد فقيد الجميع فعبد الله رحمه الله ليس شابا عاديا فهو ممن يأسر القلوب بابتسامته وروعة حديثة وحسن أخلاقه

لم اقل ذلك نقلا من احد رغم ان الجميع يثني عليه والناس شهود الله في أرضه  ولكنني اعرفه تماما بسمو نفسه وكريم طباعه ونقاء سيرته   ولى معه في ذلك حكايات

فرحمه الله رحمة واسعة وأعظم لأهله الأجر والمثوبة  وعوضهم في مصابهم خيرا
اللهم جازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا





TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript