سلطانة الحفل

               

 

بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                

( سلطانة الحفل )

                                                                    

إلى أخي وصديقي العزيز ، الأستاذ الشاعر / حسن بن محمد الزهراني ، رسالة إعجاب وإكبار وتقدير لوفائه .




                   سلطانة الحفل

 .....أول وزيرة تجمع بين ثلاث وزارات ( الداخلية والدفاع والخارجية ) .....

من المتعارف عليه عند الشعوب العربية وخاصة الخليجيين ، وبالأخص أهل السعودية ، اطلاق مسمى وزارة الداخلية على الزوجات ، وفي هذا دلالة على ضبطها أمور بيتها الداخلية من اهتمام بالزوج والأولاد وكذلك تصريف الأمور الأخرى التي لا تخفى ، إلا أن أم محمد أثبتت لنا مقدرة الزوجات على تحمل أعباء وزارات مختلفة ، فهاهي إضافة لمهام وزارة الداخلية تتسنم اعباء وزارتي الدفاع والخارجية .

فهاهي تحضر أمسية شعرية لزوجها ، وبصمت مُدوٍ سمعه البعيد قبل القريب قالت : أنا هنا أقف كدرع واق وجدار متين ، حماية لبيتي ووقاية له ، وذلك بعد أن أدرت داخله باقتدار واعتزاز ولله الحمد والمنة ، لم آت الى هنا بذخا أو تسلية أو لملء فراغ يعصف بوقتي ، بل جئت ليعلم السائرون خلف أسوار أسرتنا سلامة دربنا وانسياب حياتنا ، فنحن بخير وإلى خير بإذن الله .

نعم ،، هذه أم محمد ، والتي يصدق فيها القول : وراء كل رجل عظيم امرأة ، فقد حضرت مع زوجها الشاعر المبدع أمسية غير عادية ، ليهدي لها وأمام الجميع أول قصائده ، ليذكر العهد معها ويشكره لها ، وحق لهما ذلك ، فنحن نعيش بين سياط مجتمع قد تكون العادات في حساباته أقوى من تدينه ، ولو أننا رجعنا لتاريخ وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدنا امثلة كثيرة تعزز ماذهب إليه شاعرنا المبدع .

ولعلنا نكتفي بأجمل مثال ، فقد قال صلى الله عليه وسلم  عن خديجة رضي الله عنها  : كلا والله ما أبدلني الله خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء .

ولنا في رسول الله قدوة حسنة ، فالوفاء سمة لا يجيدها الا الانقياء ، فهاهو شاعرنا يصعد لمنصة الالقاء ، ليفاجئ الحضور بإهداء من نوع مختلف ، فيشير بيده إلى ضيفة استثنائية قد أخذت مكانها داخل قاعة الحفل ، ليخاطبها بكلمات نسجت بالحب والوفاء والعرفان  :

" إلى ملاك الروح وريحانة الفؤاد ، إلى الإنسانة التي أحالت حياتي إلى حلم من الجمال ، وامتزجت بي حتى أصبحنا واحدا ، فمنذ اثنين وثلاثين عاما ونحن نعيش الجمال بتفاصيله ، إلى زوجتي الغالية التي شرفتني بحضور هذه الأمسية الليلة ، أهدي أولى القصائد .

غرامُك نبضي ،فانسجي من دمي دربا
           وصـوغـي ثوانـي عمــرنا بالمنـى حُــبّا

وسيــري بنـا فـوق السّــحاب وقيّـــدي
           سَنّا البـدر في أقدامنـا ـ قيّـدي الشّـهْبا

وقولـــــي لأزهـــــار الربيـــــع تُمِـــدّنـا
           بأزكــى شذاها - أو ( سنأخذهُ غصبا ) 

ومــدّي جناحيـــنا علــى  الكــون كــله 
          سروراً- وقومـي غرّدي واسمعـي الصبّا 

فأنـتِ وَرَبِّ البيــت. روحـي وراحــتي
           وأنـت نسيـم الشّـوق فـي مُهجتي هبّا

فـؤادي أسيـرٌ - دون قيـــدٍ – أســرتهِ
            بِحــبٍ كشــلاّل الشــــذا يأســـر اللّــبا

أحبك لاااااتكفي - ففي القلب فوق ما 
           تظـنين يا محبوبتــي فاسـألي القلبَ "
  
إن هذا التوجه من شاعرنا فيما أعلم توجه غير مسبوق ، ولعل من الناس من يتساءل عن أمر نسمع به ونقرأه في الكتب ولكن لا ندركه ، إذ لا وجود له في واقعنا وحاضرنا ، اللهم إلا بضع شذرات هنا وهناك لا ترتقي لنفس الفكرة ، فالشاعر عبدالله بن ادريس له قصيدة رائعة في زوجته ، ولكنه نظمها وهو على فراش المرض وقد ناهز التسعين عاما ، وكذلك قصيدة نزار قباني في زوجته ، والتي كتبها بعد موتها ورحيلها.

فالفرق هنا واضح ، والسبق لشاعرنا مستحق ، فالزوجة هنا حاضرة متواجدة أمامه ضمن الحضور في أمسية شعرية عامة ، أمسية ذات جمهور عريض وحضور كثيف ، حضرت بمعيته لتثبت أن الأديب الحق هو من ينطلق من قاعدة أسرته ليعود إليها ، فحق لها أن يجعل من حضورها لفتة كريمة ولمحة ذكية ، فحضورها ليس كأي حضور ، فقد جعل منها بذلك الإستهلال الرائع أميرة للمكان وسلطانة لفضائه . 

ليس هذا بالأمر الغريب على شاعر تجسدت فيه كل معان الوفاء ، فشاعر يجعل من ذكرى زواجه كل عام حفلا أدبيا ، يتوجه بقصيدة سنوية رائعة تحمل تلك الذكرى الغالية ، وينشرها في حساباته على الشبكة العنكبوتية
 لجدير بكل احترام وتقدير ، فلعله يتحفنا ذات يوم ويخرج لنا ديوانه الخاص بهذه المناسبة  والذي احسب أنه على وشك الطباعة ، ليكون له السبق في هذا الباب كما كان له السبق بديوان (ريشة من جناح الذل) الذي خصص كل قصائده لرثاء أمه ولا أظن أحدا سبقه في هذين الموضوعين كدواوين شعر ، منذ العهد الجاهلي حتى يومنا هذا .  

ولكن رغم هذا كله ، الا يحق لنا أن نتسآل ، مالذي جعل شاعر قادم من جبال السروات ، والتي اشتهر أكثر أهلها بانغلاقهم في هذا الباب خاصة ، وعدم التجرؤ على ذكر الزوجات ، بل حتى الأمهات أمام الملأ ؟

سنعلم السر حتما عندما نعلم أثر والدته رحمها الله على أدبياته ومنهجه ، فها هو قد جعل لها من شعره ديوانا مستقلا ، لم يكن حبرا على ورق ، بل اثبت صدقه بمواقف تشهد له في ذلك ، ففي مدرسته التي كان يديرها تصاعدت شكاوى طلابه بسبب مناداتهم بأسماء أمهاتهم كنوع من الشتيمة ، وهذا ماكان معضلة بين الطلاب عموما وقد يكون بين الكبار ايضا  فما كان منه إلا أن يقف أمام طلابه ليعلن عن اسم أمه ، بل ويتمنى أن يُنادى بها اعتزازا وفخرا ، فقضى بذلك على ظاهرة أرقت منسوبي مدرسته .

إن اصطحابه لزوجته في تلك الأمسية ليس فقط ليلقي لها ومن أجلها قصيدة أمام الجموع فحسب ،  فهي ولا شك تستحق الإحتفاء ، ولكن ليغرسا هذه المبادرة في أذهان الجميع ، رغبة في إعادة بناء العلاقة الوجدانية مع شركاء الحياة ، والتي غالبا ما تتسم بالجفاف ونكران الفضل ، ففي هذا الموقف ولا شك رسائل واضحة لا تخفى على ذي لب .
****
قصة قصيرة جدا
( إدارة )
أعدّ أوراق أمسيته ، لَمحت بينها قصيدة قد تسبب له حرجا وعتابا إن هو القاها ، حاولت إقناعه بتركها فعجزت ، صعد المنصة ، ألقى قصائده المختارة ، بحث عن بغيته فلم يجدها ، عاد لمنزله ليرى قوافي قصيدته تعوم في كأس ماء . 

علي بن سعد الزهراني 
مكة المكرمة
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript