عذرا أيها الأباء

بسم الله الرحمن الرحيم 


                                                   

عذرا ايها الاباء
فدموعكم غالية 

                                                       
عندما خطرت في بالي فكرة مشروع الوادي التراثي القديم الملحق بالقرية الأثرية والسوق التاريخي بالاطاولة ليكون إضافة لمهرجان الأطاولة التراثي كان اول ما استدعته الذاكرة بعد استشراف نهايته تلك الدموع من أولائك الافذاذ من الرجال والنساء الذين عاصروا وعاشوا هذه التجربة ، ليس في الاطاولة فقط بل في عموم المنطقة ، شمالها وجنوبها ، شرقها وغربها  فالمشروع وجداني اكثر منه عمراني ، 


من السهل جدا ان تنشئ مزرعة وتجلب لها الماء والبذور ، ومن السهل ان تجعلها خضراء نضرة ، ومن السهل ان تفتح ابوابها للناس ليتنزهوا فيها، ولكن أن تأتي لها بروح حية ، تتحدث اليها وتتحدث اليك ، تنادمك بحب و عشق ، تفرح بك وتحزن عليك ، تسمع همسك وتسمعك انينها  ، فإن دون ذلك خرط القتاد ، ومع ذلك فان هذا هو بيت القصيد ، وهو ما سعينا لتحقيقه ،  فكأنما استعدنا بهذا المشروع جيلا من البشر قد غابوا عنا تحت الارض منذ عقود ، وأعدنا في الوقت نفسه للارض فرحتها وابتسامتها ، ليس بالحضور والمشاهدة فحسب ، بل بتداخل واندماج وجدان الانسان بوجدان الارض ، واحياء لواعج عشق طبيعي ازلي بين حياتيهما  .

عذرا ايها الاباء فقد تجشمتم صعاب الدروب ، واتيتم الينا من فجاج الارض ، قريبها وبعيدها ، اتيتم لتشهدوا بام اعينكم كل تلك التفاصيل التي غابت عن اعينكم ولم تغب عن اذهانكم وقلوبكم  ، اتيتم لتنثروا الدموع السخينة هنا ، فما منكم احد الا وله مع الوادي ذكرى جميلة وان كانت في حقيقتها مرة .

التقيت بكثير منكم ، فبقدر سروري برؤية محياكم البهي كان المي برؤية دموعكم ، فألوم نفسي وأقسو عليها ، ولكني اتوقف عن ذلك عندما ارى خلف تلك الدموع فرحا دفينا وشكرا وامتنانا اذ اعدناكم لزمن جميل نعلم جيدا أنكم تحبونه حتى وان كان مؤلما .

لن الومكم بعد اليوم ، فقد وقعت بنفسي فيما وقعتم فيه ، فأثناء تجهيز الوادي احسست بانه يناجيني بفرح وانه يستعجل اللحظة التي سيخرج فيها للحياة ، وبعد تمازج بيننا لما يقارب الشهرين استاذنته لارجع لاسرتي في مكة فاحسست به يتشبث بي ويرجوني ان لا اسافر واتركه ، نظرت اليه مودعا فوالله الذي لا اله غيره لاحسست بانه يريد احتضاني ويكرر رجاءه ان كنت جادا في البعد عنه ان لا اتاخر في العودة  ، وماهي الا خطوات بسيطة غبت فيها عنه حتى توقفت جانب الطريق لأمسح دموعي ، فسبحانك يارب ، ان كانت هذه علاقة اشهر فكيف بعلاقة سنوات وسنوات قضاها هؤلاء الاباء ، سقوا فيها ارضهم بعرق جباههم ،  وضعفت فيه سواعدهم ، واحدودبت ظهورهم ، كيف كنت وغيري نعتب على ابائنا بسبب رفضهم العيش في المدن حيث الراحة في نظرنا القاصر انها هناك ، ولم نعلم ان راحة المحب مع حبيبه حتى وان كان المحبوب حفنة من تراب ، غفر الله لهم ولكم واعانكم وأمدكم بالصحة والعافية ، وحفظكم من كل مكروه ، فقد علمتمونا درسا خاصا في الانتماء لم نكن لنستوعبه لولا دموعكم الغالية  .

ختاما 
اقول لرجال الاطاولة فردا فردا شكرا لكم ثم شكر لكم ، اذ وضعتم ثقتكم في اخيكم ، داعمين لفكرته بكل انواع الدعم ، وهذا امر لايستغرب منكم فانتم سباقون لكل علم جميل وعمل مشرف ، فابشروا ثم ابشروا  فقد ادخلتم بدعمكم لهذا المشروع السرور على الناس وادخال السرور على المسلمين من اجل العبادات ، يقول حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : "أحب الاعمال الى الله سرور تدخله على مسلم" . 

اخوكم علي بن سعد الزهراني 
الاطاولة 1440/11/18 
TAG

هناك 7 تعليقات

  1. أحسنت يا أستاذنا الكريم فمشروع الوادي كان إضافة كبيرة وفريدة وناجحة وكانت من أهم أسباب نجاح المهرجان، وفقكم الله وسدد خطاكم ويحفظكم من كل سوء، وإلى مزيد من النجاحات إن شاء الله تعالى.

    ردحذف
    الردود
    1. بارك الله فيك ونقدر الجهد الذي قمت به والتعب
      فلك منا الشكر والتقدير اعرفك رجلا راقيا متواضعا محبا واعرف والدك رحمه الذي كان شامخا واحد مزارعي الاطاوله ولازلت اتخيل بيتكم القديم وذلك المسراب الذي يوصل اليه .نعم اعدت لنا بعض من زمن الاباء ويد بيد لغدا مشرق واستشراف جديد

      حذف
  2. كلامك زادنا الماً لفراق الاطاوله والوادي التراثي بالاطاوله فعلا يستدعي الذاكره عندما رايت النشاير في الجرين تذكرت زمناً ليس بالقريب عام1400 عندما كنت طالب في باكستان وقام اخوك خضران وفقه الله بالتقاط صورة لنشاير العيش في الحصحص وارسلهل في باكستان
    كل انسلن له ذاكره لوقت ما ومكان ما استحثه ابداعك بالوادي التراثي
    تحيااااتي لك اخي وحبيبي الغالي علي بن سعد

    ردحذف
  3. سلام الله عليك وعلى كل من سكن وترعرع في بلدتكم الأطاوله وكم لها من تاريخ يليق فيها وفي باحتها الكثير والكثير وكم من الآباء قد تعلموا وتخرجوا من مدارسها وهذا شرف كبير حيث الكثير ممن درس فيها وصل لأعلى المراتب في كل قطاعات الدوله وهذا أيضاً فخر وتاريخ محسوب لها وها أنت أعدت لها تاريخ أثري يتكلم عن الماضي والحاضر فشكراً لك ولمن ساهم في هذا العمل الطيب والذي أسعد كل أبناء المنطقه بشكل عام فكم كنت أتمنى الحضور والمشاركه ولو بنظره لما عملتوه في ذلك الإحتفال والكرنفال الذي تكلم عنه الكثير القريب والبعيد فكم نحن سعيدين جداً برؤية ماقدمتموه من سمعه طيبه للمنطقه وعن بلدتكم الأطاوله خاصه لكم مني التحايا والشكر والتقدير والمعذره على التقصير فيما ذكرته على عجل فأنا أحد أبناء المنطقه وتحديدا من وادي بطحان ومن قرية اللغاميس من عائلة إبن غانم بارك الله فيكم

    ردحذف
  4. جزاكم الله يا من عمل غي هذا المشروع التراثي والموروث العظيم . انتم سباقون للمبادرات وسامي الافكار . عتبي لماذا تعتبرون نفوسكم تمثلون الاطاوله فقط فأنتم حسب ما ارجو تمثلون زهران بل كل المنطقه الجنوبيه وانصح بالاخذ بهذا الاعتبار وتوسيع المشاركات ميدانيآ و بشريآ ليشمل مناطق مختاره من زهران او غامد كان لها اثر تاريخي مثل قلعة بخروش و غيرها من مما يعرفه الكثير افضل مني . احسنتم وفقكم الله وشكر مسعاكم

    ردحذف
  5. نقدر جهودك ونشكرك ولاشك ان ماقمت به عمل جبار
    ورسم لنا شيئا من الماضي الجميل
    لاعدمناك

    ردحذف
  6. ما اجمل ما كتبت يا ابا عبدالله .
    وما أجمل الوصف وما أجمل صدق العبارة .
    رغم انتي لا أذكر ما عاناه الأجداد إلا قليلا وكأنه حلما الان انك من خلالك عملك المتميز جعلتنا جميعا صغارا و كبارا نعيش تلك اللحظات ونعرف مدى ما كان يعانيه الأجداد في سبيل توفير لقمة العيش .
    والان يا ابا عبدالله انت كتبت وحركت فينا شعورا مختلفا .
    نحمد الله على ما نحن عليه من النعم وعلى رغد العيش.
    دمت يا ابا عبدالله متألقا ومتميزة.
    ابنك المحب
    منصور عوض الهلالي

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript