أبا يحيى بيننا ستحيا


بسم الله الرحمن الرحيم


 ( مات في شعبان وأدرك رمضان )
قد يأتي اليوم الذي تكون فيه هذه العبارة لغزا أوأحجية
 فان أدركتم ذلك اليوم فقولوا بكل ثقة
 إنه سعيد بن شيحان رحمه الله تعالى  
**********

أبا يحيى بيننا ستحيا


كم هو مؤلم للقلب خبر وفاتك يا أبا يحيى
 ليس اعتراضا ولا جزعا من أقدار الله 
 ولم يك هول المفاجأة هو منبع ذلك الألم لقلوبنا
 فنحن نعلم معاناتك مع المرض منذ فترة ليست بالقصيرة
 ونعلم أيضا بان الموت حق 
 وأن عادته في حصاد البشر ..هي الفجأة
فلا ترتيب لديه لزيارة ..ولا استئذان بدخول
فهو عبد مأمور.. من رب الأيام والشهور
ولكن الالم الذي أصابنا ايها الحبيب.. كان بسبب فقدنا لمدرستك 
تلك المدرسة التي أعطت الكثير والكثير
 وتعلم فيها الصغير والكبير 
**********
إن أسرة كاسرتك يا أبا يحيى يشهد لها القريب والبعيد
بتكاتفها وتلاحمها منذ عشرات السنين
 لحفي بها أن تُبجل وان تقدر وان يُعترف لها بالفضل
وأن تذوب كل هَنَّاتها في حسنة من حسناتها
 فأبويكم رداد وشيحان رحمهما الله  كانا مضرب المثل
في التآلف والأخوة الصادقة
فهما لم يفترقا في حياتهما قط
فمنزلهما واحد وأعمالهما واحدة  وهمهما واحد
بل انه لايطيب لأحدهما طعام أو شراب دون وجود الأخر
 بل اعلم يقينا بان أباك كان يحمل في جيبه مالذ وطاب من الثمار
 ليقدمها لأخيه عند عودته للمنزل
وربما كانت أفواه أبنائه هي الأقرب إلى يديه
لا أخفيك يا أبا يحيى أنني كنت اعتقد ولفترة طويلة
بأنهما ليسا اخوين بل كنت أراهما ابن وأباه
أولائك أبائي فجئني بمثلهم   **  إذا جمعتنا ياجرير المجامع
حق على من ترعرع في بيت كهذا
أن يكون البر شعاره والتآلف دثاره
لم ينس الناس  ياأبا يحيى وقفتك أنت وإخوتك 
إلى جانب عمك رحمه الله والذي كان محروما من الأبناء 
فكنتم له نعم البررة
فرعيتموه حق الرعاية  في صحته  وفي مرضه
 وفي شيخوخته وهرمه  
 حتى أكاد اجزم بأنه  لوكان لديه أبناء من صلبه
لما كانوا أبر به منكم فجزاكم الله عنه وعن أبيكم خير الجزاء
**********
يا أبا يحيى قد لا اعرف عنك الكثير
ولكني في الوقت نفسه اعرف عنك الكثير
فأنت بحر من الدماثة وحسن الخلق
 وأنت صاحب الابتسامة التي لاتكاد تفارق محياك
 وأنت صاحب الأحاديث والأخبار التي لا تمل
 وأنت صاحب القفشات الطريفة كما كنت تسميها
فكنت بحق ممن يجلب الأنس للناس
**********
لم انس يا أبا يحيى  تلك البسمات التي رسمتها ليلة زواجك
على وجوه الحاضرين
عندما قمت بعمل لم يسبقك إليه أحد ولم فعله بعدك أحد
 فقد كانت طرفة من نوع خاص
 كانت كماركة مسجلة لك لا يستطيعها
سوى من كان يحمل بين جنبيه
روحا محلقة في سماء الصفاء  وافق النقاء 
انها مراسم وداع العزوبية
حيث قمت وأمام الجميع بتسليم فراشك الخاص
 لأخيك الذي يليك
 في موقف لا يقوم به وأمام الجميع
 إلا من كان يحمل روحا هينة لينه تفيض أنسا ومحبة
قد تجلت في عشقها لإدخال السرور على الناس
فهنيئا لك تلك الشخصية النادرة في زمن رتابة وروتين الحياة
**********
لم انس يا أبا يحيي عندما كنا نستمع إلى حكاياتك
وأخبارك الطريفة والتي تجاوزت بها الحدود المكانية
إلى العالمية من خلال الإذاعة البريطانية
ولعل أطرف ما سمعت وسمع غيري  وقتها
عندما أعجزت جميع مذيعي ندوة المستمعين
ذلك البرنامج الأشهر على مستوى العالم العربي
على أن يكرروا جملة كانت دارجة لدينا
**********
دعني استأذنك يا أبا يحيى لأذهب بذاكرتي بعيدا في أعماق الماضي
 فالحديث معك وعنك ولا شك ذو شجون
وسأذهب بذكرياتي البسيطة معك إلى مدينة الرياض 
 وفي التسعينات الهجرية من القرن الماضي بالتحديد
 وذلك عندما كنا ندرس هناك 
فرحلتك إلى بريطانيا لزراعة إحدى كليتيك في جسد أخيك 
لم تفارق خيالي أبدا  أتدري لماذا ؟!
 لاننا كنا في وقت نستغرب مثل هذا الأمر طبيا
 بل كنا نعده من المستحيلات
مع غرابة تلك التضحية والمغامرة من أي إنسان في ذلك الوقت
مهما كانت الصلة والقرابة
فهناك روحين غاليتين كنا نشك في عودتهما لنا سالمين
 ولكن لان بيتكم يا أبا يحيى أهل لهذه المكارم والتضحيات
فقد علمنا سر ذلك القرار
حيث لم تهنأ يا أبا يحيى بعيش ولم تركن لراحة 
وأنت ترى أخاك يتألم أمام ناظريك 
 فقررت أن تكون لوحدك لتلك المهمة .. وأن تقوم بها خير قيام
وحسب علمي يا أبا يحيى .. فأنت أول متبرع بإحدى كليتيه
 بين أفراد مجتمعنا البسيط
لم انس يا أبا يحيى عندما عدتما إلينا .. وقد زاد عليك الحمل أضعافا
رغم نجاح المهمة
فقد كان حرصك على أخيك بعد الجراحة لايقل عنه قبلها
فآثرت البقاء مع أخيك لوحدكما .. بعيدا عن الاختلاط بالأخرين
حسب توجيهات الأطباء .. رغم قلة ذات اليد آنذاك
فقمت بتأثيث سكن متواضع
في احد أرقى أحياء الرياض في ذلك الوقت
ألا وهي عزبة الشميسي .. والتي كنا نرتادها رغم بعدها عن مقر سكننا
 لننعم  بالهواء البارد ..المنبعث من ذلك المكيف الصحراوي
 الذي أوجدته لراحة أخيك
رغم تكاليفه وصعوبة الحصول عليه
فقد كانت المكيفات في البيوت ذلك الوقت تعد من البذخ الفاحش
وعلامة فارقة يستدل بها على كبار القوم أو الأغنياء منهم فقط
 فنحن رغم كثرتنا في سكننا إلا أننا عجزنا عن توفيره
 وهذا حال الكثير من الناس في ذلك الوقت
ومع ذلك فإنني اعرف يقينا انك لم تكن أحسن حالا منا
 فالحال من بعضه كما يقال
 ولكن كانت أوضاع أخيك المرضية سببا لركوبك الصعاب
 فأسال الله أن يكون ذلك في موازينك
لم انس يا أبا يحيى  ونيت الجمس الأزرق
الذي كان وسيلتنا المفضلة للسفر إلى الرياض
ورغم أننا لانجد سوى صندوقه المغطى بذلك الشراع
الذي كنا نطرب لمداعبة الرياح لإطرافه
وكنا نستمتع برحلتنا فيه رغم عناء السفر وطوله
 سواء كانت في أيام الشتاء الباردة ذات الجو المطير
 أو أيام الصيف الملتهبة بسموم الهجير
ولم انس عصريات الخميس عندما تمر علينا ونحن نسكن بعيدا عنك
وفي عزبة العود تحديدا
لتخرج بنا إلى خارج الرياض لنلعب الكرة في طريق صلبوخ
ونغير من رتابة الحياة كما يقال
ثم نعود وكلنا سعادة أن هيأ الله لنا من يزيل عنا ذلك الملل
**********
وهاأنذا أعود إليك  يا أبا يحيى ليس لانتهاء الذكريات الجميلة معك
فلدى الكثير الكثير منها ولدى أقرانك ما هو أكثر وأكثر
ولكني عدت إليك لاستأذنك
نعم أستأذنك في أن أقول للناس جميعا مالم تقله لهم أنت
فها أنذا أقول لهم بأنك من الرجال القلائل
الذين أدركوا رمضان بعد موتهم
فتبرعك لإفطار الصائمين في جامع الأطاولة
قبل موتك لهو إدراك لبعض فضائل شهر الصيام
التي قد حرم منها الكثير الكثير من الأحياء
فكم من الأموات لازالوا أحياء بيننا بأفعالهم المستمرة
 وبذكرياتهم الطيبة
ولعلك يا أبا يحيى واحد منهم

 **********
عدت لأقول لهم أيضا
أن من خطف الموت من بين يديه ومن أمام عينيه ابنتين
كانتا في عمر الزهور
 لحري به أن تشتد رغبته في رؤية الفرح على محيا بناته الأخريات
فها هو يستعجل الاحتفال بابنته وابنة أخيه
وكأنه يستشعر مالم يشعر به الآخرون .. فكان له في ذلك ماتمنى
فمهما كانت الأسباب ومهما كثر العتاب
 فيجب ان لا ننس مسبب الأسباب
فلعل الله أراد أمرا قد قصرت عن إدراكه الأذهان
لقد كنت يا أبا يحيى وبدون علم منك
على موعد لا يمكن أن يخلف
انه موعد ولحظة إسدال الستار على حياة مليئة بالبر والعطاء
انه موعد مع القدر
نعم لقد أسدل الستار على حياة رجل قل مثيله
وندر في الرجال قرينه
**********
لا أظنك يا أبا يحيى إلا ستبقى في ذاكرة الناس طويلا
حيا بذكرياتك  حيا بأخلاقك حيا بسيرتك
حيا ببذلك وعطائك وتضحياتك
 **********
فها أنت يا أبا يحيى وقد تحقق لك ما أردت
بان يمن الله عليك بإتمام الفرح لابنتيك قبل موتك ولو بلحظات
فها أنت وبعد انتهاء مراسم الاحتفالات بعقد قرانهن مباشرة
وفي الليلة نفسها
تسلم روحك إلى بارئيها
فرحمك الله رحمة واسعة
وأثابك بكل بسمة رسمتها على وجوه خلقة
وبكل كلمة أدخلت بها سرورا على مسلم
سرور دائم في جنة عرضها السموات والأرض
 والهم أبناءك وبناتك وزوجك وكآفة أسرتك وذويك ومحبيك
الصبر والسلوان
فعلى مثلك يا أبا يحي تذرف الدموع وتعزى فيك الجموع  

علي بن سعد الزهراني
الأطاولة في  27/8/1431هـ

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript