المستوطَن .. من قصص بيوت الحمد .. المهندس زياد بن حمود رحمه الله

المستوطَن

المهندس زياد بن حمود الزهراني

الناس كلهم يستوطنون الوطن ولكن قليل منهم من يستوطنه الوطن

أمسك بحقيبته بعد أن أعدت له بعناية ..فالسفر بعيد والمهمة غير عادية ..وقف على رأس أبيه مستأذنا مودعا .. بعد أن أمضى معه بعض الوقت لمؤانسته قبل وداعه .

أدنى رأسه الى رأس أبيه فقبله كأن لم يقبله من قبل ..وصل الى باب المنزل فأعاد نظره الى أبيه وكأنه يستشعرفي نفسه ..بأن ذلك الوداع  سيكون الوداع الاخير.. ودع أولاده وزوجته .. ولم ينس أن يوصيهم خيرا بأبيه .

أوصاهم بذلك وهو يعلم جيدا بأنهم لايحتاجون الى توصية ..ولكن لان هناك سر يساق اليه بدون علمه ..سر يساق اليه  بقدرة قادر.. سر لاحيلة له ولا لاي احد في معرفة كنهه .. وعند الباب عانقهم مودعا إياهم يكاد ان ينفطر فؤاده من ألم الوداع .

فليت شعري هل علم بأن تلك النظرات هي النظرات الاخيرة لاسرته  .. انطلقت السيارة وهي تطوي شوارع الرياض رغم الازدحام  .. فكأن الارض كلها تطوى أمامه لامر قد قدره الله .. وصل الى المطار في وقت قياسي .. فصعد سلم الطائرة وأخذ في الصعود درجة درجة .

كان ينقل أقدامه بثقل  غريب فكأن الارض تتشبث به فهنا عاش وهنا ترعرع وهنا قدم وهنا ضحى .. كان يطلق نظره الى الارض ويتحدث معها حديث العاشقين ويودعها وداع المحبين .

جلس على مقعده  والقى من نافذته بنظره الى مدرج المطار لها ألف معنى ..أطلق العنان لخياله وكأنه يناجي كل شيء.. حلقت الطائرة في أعماق الجو وغابت في الفضاء البعيد ..يشق صوتها عنان السماء ..اعادته الذاكرة الى زمن الطفولة والى القرية الحالمة ..التي عشقها واحبها لدرجة كبيرة ..فقد زين جدران بيته بصورها  القديمة ..بل بدأ فعلا في الاعداد لجمع جزء من تراثها .. حتى أصبح الرجل الذي استوطنه وطنه   .

حطت الطائرة في مطار لندن حيث سيمثل المملكة في مؤتمر هام .. وصل الى الفندق المعد لاستقباله .. وفي اليوم التالي توجه الى  مقر المؤتمر ثم عاد الى غرفته لينال قسطا من الراحة ..  

شعر في جسده بألم يتزايد شيئا فشيئا ..مما اضطره لابلاغ ادارة الفندق ..والذين اتصلوا من فورهم بالسفارة السعودية ..والتي تولت الامر.. فنقل حالا وعلى وجه السرعة الى المستشفى ..ولكنه فارق الحياة قبل ان يصل ..فرحمه الله رحمة واسعة .

علي بن سعد الزهراني
الأطاولة/ رمضان 1433هـ