قصر الكبريت .. فن بين شعلتين ،،، كلمة حق في استاذنا الفاضل عبدالله بن سعد الخبتي بمناسبة يوم المعلم .



قصر الكبريت
فن بين شعلتين ، إبداع وقبس
مقال بمناسبة يوم المعلم 
تقدير وعرفان لأستاذنا الفاضل  
عبدالله بن سعد الخبتي حفظه الله وأمده بالصحة والعافية .

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا يوم المعلم ، مناسبة عالمية تبعث فينا وان تقاعدنا روح التلاميذ ، هي عالمية الفكره وانسانية الهدف ولكنها تأتي بشمولية الأسلام ، في فكرتها وهدفها ومنهجها وتطبيقاتها ، فاحترام وتقديرالمعلم وإسناد الفضل لأهله إنما هو دين ندين الله به ، كيف لا ونحن حسنة من حسناتهم وكل ماتعلمناه منهم يصب في موازين أعمالهم ، فاللهم صل وسلم  على نبينا محمد أول معلم  وعلى آله وصحبه ومن اتبعه واقتفى أثره في تعليم الناس الخير  .

الاستاذ عبدالله الخبتي علم من اعلام التربية والتعليم بمنطقة الباحة عامة وقطاع الاطاولة خاصة ، واقول قطاع الاطاولة لان اسمه كان هكذا قبل تسمية المحافظات . 

الاستاذ عبدالله بن سعد الخبتي حفظه الله وأمده بالصحة والعافية وكتب له اجر ما قدم ، كان ضمن الدفعة الاولى من ابتدائية الاطاولة ، وكان من اوائل المعلمين السعوديين ، كان لي الشرف ان كنت واحدا من طلابه الذين وردوا على منهله واستقوا من ابداعاته .

ورغم اني كنت طفلا في تلك الفترة ، الا انني كنت منبهرا ومعجبا بما يقدمه استاذنا الفاضل داخل المدرسة وخارجها ، سواء من الاعمال الحياتية العامة اوالانشطة المدرسية ، ولا افشي سرا ان قلت بان بصمته واضحة في طلابة وخاصة لكاتب هذه الاسطر ، فان ذكر الابداع في رجال الاطاولة فيجب ان يذكر الاستاذ عبدالله بن سعد الخبتي اولا ، فكل من أتى بعده فهو تلميذ في مدرسة ابداعاته .

كانت الاذاعة المدرسية من اكبر اهتمامته اللاصفية ، وكذلك التربية الفنية ، ففي اخر كل عام دراسي يعد مكتب التعليم بالاطاولة معرضا فنيا ومهرجانا رياضيا وحفلا مسرحيا ، تكون مدارس الاطاولة وساحاتها وملاعبها مقرا ومسرحا وميدانا لها ، كل ذلك يتم في يوم واحد ، يكون ذلك اليوم كرنفالا ننتظره من العام الى العام ، وكانت جميع مدارس القطاع تشارك فيه .

واذكر أن مدرستنا قد اخذت اول فصل بعد ان تصعد الدرج يسارا بعد مكتب الاستاذ جمعان الهلالي مدير المدرسة رحمه الله (اتحدث عن المبنى المدرسي الذي في السوق ، بيت الشيخ جابر بن الحسين رحمه الله )

كنت شغوفا لمشاهدة ما ينتجه مجهودنا كطلاب ونحن نجمع علب الكبريت وبعض الخامات التي يطلبها منا استاذنا الكريم عبدالله الخبتي ، وكلنا شوق وتساؤل ، اي ابداع وجمال سنراه من هذه الاشياء التي جمعناها ، وكيف سيؤلف بينها ، وما علاقة هذه بتلك ؟! اسئلة بريئة كانت تشغل وتشعل اذهاننا الصغيرة حتى وان لم نتلفظ بها ، افكار لم تعشش في اذهاننا بل دخلت لتتحرك ثم لتبدع كاستاذها ، لتتفتق فينا بعد ذلك روح المحاكاة والتقليد .

وفي يوم المعرض يذهل من يشاهد تلك الأعمال فقد اتضح لهم قصرا مذهلا من علب الكبريت ، بل زاد العمل ابداعا وجمالا تلك الاضاءة المنبعثة من نوافذه دون ان ترى مصدرها .

 فقد استخدم لذلك مصابيح الكشافات والتي تسمى (مامات) ، فقد تزامن ذلك العمل مع حداثة ادخال الكهرباء في الاطاولة ، فكانت الفكرة درسا مستقلا بذاتها يشكر عليها معلمنا الفاضل  ، فقليل من المعلمين من كان يربط واقع الطلاب بمنهجهم الدراسي .

بث فينا استاذنا حب الابداع والتجديد ، اذكر انني في المرحلة المتوسطة  نفذت فكرة الاضاءة وعمل اذاعة داخل البيت ، فقد صنعت مكتبا خشبيا بسيطا بمساعدة والدي رحمه الله ، ووضعت عليه (مامة) وكان افضل الاوقات عندما تطفأ كهرباء الشركة الساعة 11 ليلا ، فيضيء الزملاء في بيوتهم الفوانيس والقازات لمواصلة المذاكرة وحل الواجبات ،  وانا اتمتع بفكرتي المستقاة من قصر الكبريت .

 كنت سعيدا بانجازي ، فما اجمل ان تصنع حاجتك بيدك ، وان تستفيد وتطور ما تشاهده في حدود امكاناتك ، ثم عمدت على جهاز راديو قديم ، فاخذت سماعته ووضعتها في مكان بارز ومرتفع ، ثم اوصلتها باسلاك مع سماعة الراديو الذي يعمل وكأن السماعة التي وضعتها  هرن اذاعة مدرسية ، استمتع بالجلوس بالقرب منها ، هوايات وافقت بذرا حسنا من معلم فاضل فنفذت واقعا ، وهذا ماتعلمناه من استاذنا عبدالله فشكرالله له  .

الاستاذ عبدالله كان مبدعا لدرجة لا يصدقها احد ، فقد عمل اذاعة تبث عبر الاثير وكانت تلتقطها اجهزة الراديو في كامل محيط الأطاولة وبعض القرى المجاورة ، بل كان الوحيد الذي يستقبل البث التلفزيون قبل ان يبدأ البث في منطقة الباحة ، وكان اول من اشترك من الاطاولة واظن في المنطقة في الانترنت وذلك قبل وجوده في المملكة ، فقد كان مشتركا عن طريق الهاتف مع شركة بحرينية .

 وهو اول من اسس منتدى الاطاولة الالكتروني ، والذي كان وقتها اعجوبة الزمان ، اذ اجتمع ابناء الاطاولة من جميع المناطق في موقع واحد ، فاصبح خبر من يعيش في اطراف البلاد معروفا في اللحظة نفسها وفي كل مكان ، اسال الله ان يجعل ذلك من اعمال البر وصلة الرحم وان يجازيه بذلك خير الجزاء . 

الاستاذ عبدالله لم يقتصر على عمله المدرسي ، بل كان ذو بصمة مجتمعية متميزة في الاطاولة ، فهو وصديقه وزميله الاستاذ الحسين بن مذكر رحمه الله ، قد افتتحوا استديو للتصوير ، ومحل لايجار السياكل واظن مكتبة وقرطاسية ، وكان اول من عمل كهربائا عند تاسيس الكهرباء في الاطاولة ، فكثير من البيوت القديمة لا تزال شاهدة له بلمساته في تاسيس وتوزيع الكهرباء داخل البيوت .  

الاستاذ عبدالله كان ابا قبل ان يكون معلما ، اذكر ذات يوم جاء اخي عبدالله رحمه الله بورقة لابي كانت رسالة يعتذر فيها عن ضربه بالخطأ ، اكبر والدي رحمه الله ذلك الموقف ورد عليه برسالة كانت مليئة بالشكر والثناء والمسامحة
والدعاء له ، رسالة لازلت اذكرها رغم مرور الزمن فقد كان لي شرف كتابتها بإملاء الوالد رحمه الله .

عندما كنت في الصف السادس كان امتحان الشهادة الابتدائية في عام تخرجي صادف ان يكون في مدرسة الحكمان ، ولاني كنت صغيرا جدا ولا يوجد مواصلات الا المشي وهذا ما فعله كثير من الطلاب ، وهناك القلة من الذين لديهم حمير أعزكم الله ، والتي هي اسهل وسيلة مواصلات حينذاك .

لم تكن اسرتي مختلفة ، فلدينا نحن ايضا (حمارة) ، ولكني صغير جدا ولا استطيع الثبات على ظهرها ، وكان الاستاذ عبدالله مرافقا لنا ايام الامتحان واظن ذلك بتكليف رسمي . كان لديه وسيلة المواصلات المتاحة ذلك الوقت ، فما كان عليه الا ان يفك رباطها من مذودها ويرتقي ظهرها وينطلق كالفارس .

وبحكم القرابة ذهبت امي رحمها الله اليه وطلبت منه ان يردفني معه ففعل ، فلم انس له هذا الموقف الى يومنا هذا فجزاه الله خيرا .

التحق الاستاذ عبدالله بمركز الدراسات التكميلي بالطائف ، وتخرج منه وكان ترتيبه الاول بين الخريجين ، عمل بعد عودته في مدرسة المكاتيم ، ثم سافر  للتدريس في عمان .

تقاعد بعد عودته ليعمل عضوا في اول مجلس محلي للمحافظة لفترة اربع سنوات ، انتقل بعدها للعيش في مدينة جدة وهو لا يزال هناك ، نسال الله له طيب المقام وتحقيق المرام ، وان يمده بالصحة والعافية وان يجزيه اجر ما غرس فينا من قيم وابداعات ، ومن حب للتربية والتعليم والانشطة المدرسية والاجتماعية والثقافية .

هذا ما اسعفتني به الذاكرة ، ولم اعلم عن مناسبة يوم المعلم الا قبل ساعات ، والا كنت اتصلت به لاخذ معلومات اكثر ، فليعذرني ابو خالد ان قصرت معه أونهسيت ومضة من ومضاته ، او اوردت معلومة جانبها الصواب ، ولكن يشفع لي حب استاذي وصدق نيتي .

 هذا ما اذكره من سيرته سلمه الله ولم استقيها من احد . حفظ الله الجميع وجعل ايام المعلمين والمعلمات كلها خير وبركة ، وان يكون هذا اليوم قابسا للهمم ، ملهما للعطاء والابداع ، وليس لتسويد الصفحات باحبار المدح والثناء .
  
علي بن سعد الزهراني 
الاطاولة 1441/2/7
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript