التاج

التـــــــــاج

بسم الله الرحمن الرحيم

يقال بأن الصحة تاج على روؤس الاصحاء لايراها الا المرضى ولكن ما الذي جعل هذا الطفل يرى أن مرضه تاج على رأسه

لم يتجاوز العاشرة من عمره

حين بدأ المرض الغريب يغزو جسده

لم يكن في المنطقة بأسرها حين ذاك أي مستشفى سوى المستوصفات البسيطة والتي كانت أشبه بمراكزالاسعاف كان ذلك الطفل الصغير يتمتع بحيوية ونشاط

لاتكاد تراه الا منطلقا مبتسما محبا للحياة

لم تكتب له رؤية والده الذي توفي قبل سنوات

تاركا وراءه زوجة واثنين من الابناء الذكور

كان هذا الطفل هو الشقيق الاصغر

لاحظت والدته على جسده تغيرا واضحا

مما أقلقها على صغيرها بشكل كبير

ولكن ما الذي بيدها ان تفعله وهي الارملة العاجزة ولا غرابة فالمجتمع كله انذاك عاجز فلا توجد الخدمات الطبية التي يمكن للناس الركون اليها

لقد آلت على نفسها أن تعيش بقية حياتها لرعاية ابنيها وأن تكرس حياتها وجهدها وطاقتها لتربيتهما والاهتمام بهما والانشغال بمتطلباتهما

ولكنها الان امام اختبار صعب لاطاقة لمثلها به

انه تهديد خفي تستشعره دائما

بان ابنها الاصغر والذي هو بالنسبة اليها نصف حياتها قد بدأ يهدده الموت بمرض غريب لم يعرف سره ولكن الله سبحانه قيض لها من يقوم بخدمتها والعناية بصغيرها إنه زوج أختها سعدي بن مفرح العطيف رحمه الله والذي تولى امر متابعته والسفر به

انطلق به الى مستشفى في مدينة جدة

للكشف على حالته تلك

لم يكن الطريق معبدا أو سهلا مما يؤثر سلبا على الاصحاء فكيف بطفل صغير تلهبه حرارة الحمى ومشقة الطريق والبعد عن والدته وأخيه والذين هما كل حياته

رحم الله الامهات واعانهن على تحمل الالام

فاي الم ستتحتمله تلك الام

ايكون الم الفراق والبعد وغياب الاخبار عن صغيرها ؟ ام الم الاحساس بالام طفلها بعيدا عنها؟

ام الم الخوف عليه من المجهول الذي لايعلمه الا الله ؟

أم الخوف من أن تلك النظرة ستكون هي النظرة الاخيرة لحبيبها ؟ وصل الصغير الى المستشفى وبعد فحص لحالته أخبرالاطباء بان ذلك الطفل مصاب بمرض السرطان فاسقط في يد مرافقه الشهم وحزن عليه حزنا شديدا فقد أضاف الاطباء الى خبرهم خبرا كالصاعقة 

بأن ذلك المرض لاعلاج له ابدا

فقد كان هذا هو الحال بذلك المرض في ذلك الزمن

مرض لايرجى برءه

فما كان منه الا ان عاد بذلك الطفل الى أحضان أمه ليموت أمام عينيها وبجوار أخيه الوحيد

عاد ذلك الطفل الى القرية والى جوار أمه و أخيه يمارس حياته كعادته يقلب العابه ومستلزماته

لا يأبه بنظرات زواره المشفقة عليه

ولايهتم بما يسمعه من حوار حول مرضه

اللهم الا لقطة من حديث أمه قد علقت بالذاكرة

فقد سمعها في احد الايام وهي تتحدث مع جاراتها بحديث اعجبه حين قالت بأن مرض صغيرها هو نفس مرض أبيه ورغم انه لا يعرف أباه الا انه اصبح في حالة معنوية مرتفعة وتقبل الامر رغم الامه بشيء من الفخر والاعتزاز

فكأن ذلك المرض تاجا على رأسه

ليس لانه مرضا غريبا نادرا

ولكن لانه استشعر بان ذلك المرض هو نفس مرض أبيه فكل من يمر به أو يشاهده ويسأله عن مرضه يقول مفتخرا هذا هو نفس مرض أبي رحمه الله

ولعل ذلك الشعور هو ما خفف عليه من وطأة المرض

فبدأت عليه بعض علامات التحسن العام

ولاعجب من ذلك الشعور ابدا

فالاطفال في ذلك الزمن كان عشقهم وهواياتهم تقليد ابائهم فتجد الطفل يلبس غترة أبيه وحذائه

ويتنافس مع اخوته في الجلوس في مكان ابيه اذا غاب وفي مجاورته اذا حضر

بل وتقليده حتى في طريقة الجلوس والحديث

***

لم يكن من طبع ذلك المرض الركون ..فقد أعلن عودته وبكل قوة مما جعل زوج خالته يحمله مرة ثانية ويسافر به لعلاجه ولكن في هذه المرة ليس الى جدة بل الى الرياض

فلعله يجد هناك ما لم يجده في جدة

وهناك أدخل المستشفى

وما هي الا ايام قلائل حتى تصل برقية الى خاله الشيخ جابر الحسين رحمه الله 

تفيد بأن ذلك الطفل قد مات

فلا تسأل عن حال أمه وأخيه فقد جآء الخبر عليهما كالصاعقة لقد مات ذلك الطفل بعد صراع مع المرض

تقطعت له نياط قلب الام وحق لها ان تتقطع

ففقد الصغار على الاباء مصيبة ويالها من مصيبة

فكيف بفقدهم على الام التي فقدت قبل ذلك الزوج المعين

ولعل ما زاد الموقف حزنا على حزن والما على الم

هو دفن ذلك الطفل بعيدا عن أمه وأخيه فلم يشاهدوه قبيل وفاته فالطريق اليه صعب المنال

والوصول الى تلك المدينة يحتاج الى ايام وليال

فرحمه الله رحمة واسعة

وعوض والدته وأخيه عنه خيرا وجمعهم به وبأبيهم في جنات النعيم .


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript