حادث بئر الخمرة

بسم الله الرحمن الرحيم 

حِلَقٌ من أرواح

وأنت تسير على قدميك في صباح اليوم التالي من ذلك الزمان

وتحديدا من مسراب " أم نميلة " والذي يشق المنطقة الزراعية في وسط القرية فانك ستشاهد حتما علي يمينك في أول الطريق وانت تتجه شمالا مزرعة صغيرة مكتضة بالاشجار المثمرة

وستجد أشجار الرمان والحماط والخوخ والعنب

وهي تكاد أن تحتك بالارض لكثرت ماتحمله من ثمار

وسترى المكان وقد غطت فضاؤه أعواد الذرة الخضراء

واكتست ارضه بالنجمة ( العتلة ) المنتشرة في المساحات الفارغة ****

وستسمع صوت حاميات الطير من على تلك العشاش والجماميز وهن يطلقن تلك الاراجيز الجميلة

( اررررررره هيهيهيهي )

( برقا برقا لقي شرقا ..ويلى اخوالي في ماطوة )

وستسمع ايضا اصوات المقاليع وانبثاث الكباب بضم الكاف

على أوراق وسبل الخريف بفتح السين والباء

وستستمتع باصوات عوضه الاصنق والزعزعة والعصيفرة وطائر القوارير ****

ولكنك ستجد هناك ايضا ماسيتعب فؤادك ويدمي قلبك

ستجد تحت احدى الاشجار كتابين مدرسيين مهملين تلعب بهما الرياح فمرة تغلقهما ومرة تفتحهما وكأن هناك من يتصفحهما

ولو دعاك الفضول لان تقترب منهما لوجدت هذين الكتابين وتلك الاشجار بل وكل المزرعة وهي في حال من الحزن ..تبكي بحرقة وحق لها ان تبكي بل لكأني بالقرية كلها ترتج ذلك المساء بالبكاء والعويل

فقد فجع الجميع بالامس وفي ذات المكان بكارثة كبيرة وحادثة مزلزلة هي والله أعلم الاشد والاقوى على القرية منذ مئات السنين

!!فما الذي حدث في ذلك اليوم ؟ وأي كارثة حلت بالقرية ذلك المساء ؟ ****

تناولا طعام الغداء من طبق واحد فهما يسكنان البيت نفسه

ابناء عمومة لم يفترقا طول حياتهما

وما ان تناولا طعامهما حتى حمل كل واحد منهما كتابه

فهما في فترة الامتحانات النهائية للمرحلة الثانوية

وقد انتهوا في ذلك اليوم من امتحان بعض المواد

وعليهما اليوم الاستعداد لامتحان الغد وعليهما في الوقت نفسه القيام ببعض الاعمال نيابة عن الاباء والامهات

انطلقا الى مزرعة اسرتهما القريبة من البيت

ليقوما بسقيها بواسطة مضخة البنزين والتي كانت هي الوسيلة الاحدث رغم خطورة وتعب ومعاناة التعامل بتلك الوسيلة

حيث توضع تلك المضخة بالقرب من الماء اسفل البئر

وعلى سقالة من الخشب قد لاتتجاوز مساحتها مترا مربعا

وقد علقت بحبال في اعلى البئر

****

وغالبا مايكون عمق الابارالعادية يصل الى ثلاثين مترا

وبقطر لايتجاوز المترين

تدلى بجانب الحبال الحاملة للسقالة حبلين اخرين

أحدهما لربط النازل لتشغيل المضخة والحبل الاخر للتمسك به جاء الوقت المناسب لاستخراج الماء من البئر.. بعد ان خفت حرارة الشمس فنزل أحدهما الى البئر دون ان يربط نفسه فقد تعود على ذلك

فتربيط نفسه يعد بالنسبة له عائقا لسرعة العمل واضاعة للوقت ولكن كان ذلك في حقيقته تنفيذ لارادة الله .. فاذا جاء الاجل سبقه السبب ****

وصل الى اسفل البئر وبدأ فورا في تشغيل المضخة

مما نتج عن ذلك انتشار غاز الكربون ولكنها لم تعمل كعادتها

داخل البئر والتي هي ضيقة اصلا ولا يوجد طريق لاخراج ذلك الغاز فأختنق ذلك الشاب ومن ثم سقط في البئر ليموت غرقا

انتظره إبن عمه والذي يعد كأخيه الشقيق وناداه مرارا دون ان يرد عليه قرر ان ينزل اليه ليكتشف الامر دون ان يدري بخطر ذلك الغاز

فأختنق هو الاخر وسقط معه أخيه في الماء

****

تجمع الناس حول البئر في محاولة لانقاذ هذين الشابين

وكان هناك من الناس من يقف بشدة امام البئر ليمنع كل من يحاول النزول حتى لا تتفاقم الكارثة ولكن هل يستطيع ذلك الرجل

ذلك الشاب القادم من بعيد وبسرعة هائلة .. لاأظن ذلك أن يمنع وهل يستطيع كل من في المكان ان يمنعوا ؟ لا لم يمنعوه

فبعد ان علم بان صاحبيه وابني عمه في خطر

فلحق بهم ليكون ثالثهما وليموت معهما لم ينتظر لحظة واحدة ****

نعم ..لقد مات الثلاثة وهم من خيرة شباب القرية

عاشوا معا وماتو معا وكأنهم حلقات سلسلة من فولاذ

لايمكن ان تفصل عن بعضها سواء في الحياة أو في الممات

استمرت المحاولة لتخفيف غاز الكربون المنبعث من اسفل البئر حتى يتم انتشال الجثث ..ولكن دون جدوى

مما جعلهم يستدعون فرقة للدفاع المدني من الباحة

حيث تمكنت بمساعدة الاهالي من انتشال الجثث في وقت متأخر من الليل غادر الجميع المكان وباتت المزرعة في حزن لايقل عن حزن اهلها فقد اعتادت على تواجد أولائك الشباب واحبتهم

الى البيت ليجهزوا على الاكتاف فهاهي الان تودعهم وهم يحملون وفي الغد دفن الثلاثة في مقبرة القرية

وسط احزان ولوعة اهل القرية بل والقرى المجاورة

****

ظل الكتابان لحين من الوقت ينتظران صاحبيهما دون جدوى فقد غادرا هذه الدنيا بصحبة صديقهما وجارهما وابن عمهما الوفي لم ينتظروا انتهاء الامتحانات ليفرحوا بنتيجتهما

فقد نجحا هذا اليوم وبامتياز

فخلاصة التعليم بر وتضحية ومحبة

فهاهم يثبتون وبالواقع العملي تشربهم لتلك القيم العالية

ويسطرون لنا بهذه النهاية اروع النجاحات ****

رحمهم الله رحمة واسعة ورحم من مات من والديهم ومتع من بقي بالصحة والعافية

واسكنهم الله جميعا بيوت الحمد من الجنة جزاء صبرهم .







TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript