الهيبة


الهيبة

بسم الله الرحمن الرحيم

بمناسبة يوم المعلم العالمي

الاربعاء ٢٠٢٢/١٠/٥

كعادة السُّمّار حين يحلو لهم الحديث في السمر فيتجاذبون اطراف الحكايات والمواقف الغريبة و العجيبه فهم بين مصدق لها ومكذب - وان كان المكذبون لتلك الحكايات التي تروى عن الجن وتحديدا ما يشاع ويحكى عن سكان شعب خضير واللزمه وحصن الزاويح والذي يقع شرق الاطاولة - هم اكثر واقرب للواقع .

ذات ليلة سمر بين احبة واصحاب قطعت جهيزة قول كل خطيب حين تحدث احدهم بقصة حصلت معه شخصيا في ذلك المكان المخيف (حصن الزوايح) فهي قصة لا يكاد يصدقها احد وعند انتهائه من سردها قال لمن معه : ادري انكم لم ولن تصدقوني ولكنكم حتما ستصدقون صاحبي هذا واشار اليه، فقد كان معي وشاهد ذلك الحدث بنفسه فما كان من صاحبه الا ان اعلن تصديقه للراوي ، هنا ايقن الجميع بصدق الروايه ليس انتقاصا في راويها ولكن لان القصة زادت في قوة صدقها ان صدقها ذلك الرجل الذي اجمع اهل الأطاولة على صدقه فما ان يذكر اسمه في مكان الا حلت الهيبة وفرض الاحترام .

 لم يكن ذلك الرجل الذي صدّق الراوي وكان معه في المشهد سوى استاذنا وشيخنا وابونا جمعان بن سعيّد الهلالي رحمه الله ، ذكرت هذا الموقف في المقدمه لنعلم ان هذا الرجل لم يجد القبول والمحبه والمساندة من اهل الاطاولة وما جاورها من فراغ ولكنه الصدق معهم ومع نفسه منحه منزلة عالية بينهم ، مما جعلهم يأنسون به ويفرحون بوجوده ويتفاءلون بتسلمه ادارة مدرستهم .

عند تأسيس مدرسة الاطاولة الابتدائيه في العام ١٣٧٢ كان هناك رجلان مرشحان لاستلام ادارتها وكلا الرجلين من ابناء القبيلة وكان لصوت اهل القرية وقتها دور في الاختيار قبل ان يتم التعيبن من الجهة الرسمية ، فاجتمع الناس ليختاروا احد الرجلين فلم يختلف اثنان عليه فقد حصد كل الأصوات فذهبت ادارة المدرسة لهذا الرجل الفاضل / جمعان بن سعيد الهلالي رحمه الله فتسنم مهام قيادة المدرسة من اول يوم حتى تقاعده في عام ١٤٠٣ تقريبا .

كان يحرص ان يتولى تدريس مواد التربية الاسلامية بنفسه  مع عمله الاداري لحرصه ان يكون هو من يزرع في ابنائه ما ينفعهم في امور دينهم ودنياهم 

كان يقف امام المصلين في جامع الاطاولة في اخر جمعة في الاجازة الصيفيه لعلمه بعدم اهتمام الناس بالاعلام رغم قلة مصادره انذاك ليقول لهم : ارسلوا اولادكم للمدرسة فغدا السبت هو اول ايام الدراسة .

رحم الله الاستاذ جمعان الهلالي فقد كان للتناغم بينه وبين الاهالي في قيادة العمل التربوي والتعليمي لا مثيل له فقد كان له مع الطلاب هيبة تصل لدرجة الخوف ، فكان  لضعف قدرات الطلاب على فهم ما يدور حولهم من التعاون بين ابائهم وبين مدير المدرسه دور في ترسيخ تلك الهيبة في نفوسهم  فالاستاذ جمعان في نظرهم انه يعلم بحركاتهم وسكناتهم وهو في بيته بينما كانت كواليس تلك المعلومات تعمل باتقان بعيدا عن مدارك الطلاب فيظنون ان مديرهم ليس رجلا عاديا فيعملون حسابا لكل حركاتهم وسكناتهم .

في احد الايام استدعى مجموعة من الطلبه فاخبرهم بتفاصيل التفاصيل عن لعبهم في عصرية الامس ، محددا من سجل الاهداف ومن صد ضربات الجزاء ومن سقط وانجرح في رجله اليسار ، فاسقط في ايديهم وقالوا في انفسهم اين كان يجلس ويرصد لعبنا ويوصفه بهذه الدقة .

حينها دخل احد الاهالي والطلاب وقوف وسال المدير عن سر وقوفهم ثم توسط لهم عند المدير بالعفو عنهم ، وان يكتفي باخذ التعهد عليهم ان لا يلعبوا في المكان نفسه نهائيا ، ليتضح لهم لاحقا بان الامر مدبر ، فذلك الرحل هو من ازعجه لعبهم بجوار بيته وقد نقل الصورة كاملة للمدير قبل ان يدخل مرة اخرى .

ومن صور التعاون بين الاباء والاستاذ جمعان الهلالي رحمه الله ما حدث ذات يوم ، اذ امتنع احد الطلاب من الذهاب الى المدرسة بحجة ان الاستاذ جمعان ضربه فقال له ابوه من باب طمأنته وبصوت يوحي بغضبه على المدير  : انا ولدي يضربه الاستاذ جمعان اوريك فيه بكره اروح معك واضرب الاستاذ قدامك ، فرح الطالب بهذا الموقف من ابيه .

توجه ابوه الى شجرة رمان قريبة من البيت واخذ منها بعض الاغصان ثم هذبها وقص اطوالها لتكون مناسبه ثم قال لابنه هذه العصي غدا اكسرها فوق راس المدير وانت معي تساعدني ، وعندما وصلا المدرسه سلم الاب تلك الحزمة من العصي للمدير وقال له : متى خلصتها اعطني خبر اجيب لك مثلها ثم نظر لابنه وهو يتحدث للمدير  ودك تجربها يا استاذ الان والا نخليه يروح الدرس واذا خالف بعدين تداويه بمطرق رمان .

كان رحمه الله قاسيا في بعض انواع العقاب الا انه كان محبا لطلابه فوق ما يمكن تصوره وكان حريصا عليهم كل الحرص وقد كلف بعض المعلمين بحصص اضافية مجانية بعد العصر وتسمى حصة اضافة كانت تدون في الجدول الدراسي وكان كثيرا ما يفتخر ببعض طلابه الذي يدرسون بالخارج او الذين تسنموا مواقع هامة ووظايف مرموقه يذكرهم ليحث من لازال بين يديه ليلحقوا بالركب 

بعد تقاعده قام طلابه بتكريمه ولكن في بيته ، حيث قدمت له هدية تليق بمكانته كأب مرب كان نعم المعلم الناصح المحب فان اهدوه عرضا من الدنيا زائل فانه اهداهم الجدية والتفوق التي صحبتهم طول حياتهم فهم يكنون له كل التقدير وكمال العرفان ، فرحمه الله رحمة واسعه ، وجزاه عنا خير الجزاء وجعل ما قدمه في موازين اعماله .

اقتراح 

تسمية الشارع الذي يبدأ من مدخل الاطاوله الشمالي الى منتصف قرية بني محمد مرورا بالسوق والمدارس القديمة وبمدارس البنين القائمة الان ومجمع البنات باسم شارع الاستاذ جمعان بن سعيد الهلالي .

شكر واعتذار 

اعتذر ان خرج المقال عن مسار الجودة فانا لم اتذكر المناسبة الا يوم امس مما جعلني اكتب من الذاكرة دون استرشاد من احد اقاربه او زملائه الذين عملوا معه او طلابه ليكون المقال ثريا متكاملا ، واشكر زوجتي أم عبد الله فقد كان لضيق الوقت اثر في الاختيار وكما يقال في المثل العربي : تكاثرت الظباء على خراش .. فما يدري خراش ما يصيد ، فاقترحت علي ان اكتب في الاستاذ جمعان الهلالي رحمه الله فكان هذا المقال  .




علي بن سعد الزهراني 

الاطاوله ١٤٤٤/٣/٩ه

٢٠٢٢/١٠/٥م



TAG

هناك 3 تعليقات

  1. رحمة الله عليه صليب الراس

    ردحذف
    الردود
    1. اللهم ارحمه واغفرله وأكرم نزله، من دام ذكره بين الناس كل هذه السنين فهو حيٌ في قلوبهم لم يمت ..

      حذف
  2. الله يغفر له ويرحمه وجزاه الله جنات النعيم هو وكل معلم ومعلمة كانت التربية وما زالت من أولوياتهم سواء في الماضي أو في الحاضر …وجزاك الله خير على هذا المقال الرائع …بارك الله في جهد ووقتك .

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript