الثُّلمة


بسم الله الرحمن الرحيم 

عندما تكون خاتمة المرء تبعا لما عاشه وتعايش معه حينها تاتي لحظات الرحيل متناسقة مع خلقه واخلاقه 

ولانه صاحب بر وصله في رخاء الحياة كان البر والصلة حاضرة وبقوة عند شدة رحيله  

الثُُلمة
عندما يرحل البرره







قال الحسن - رحمه الله-: "كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار".

واقول ان فقد اهل الفضل والاحسان وذوي البصمات  الواضحات ، ثلمة اخرى تصيب المجتمع باسره في مقتل، فدرجة البر والصلة وتفقد ذوي الرحم والجيران لهي من اعلى درجات الايمان، فالنبي صلى الله علبه وسلم يقول مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه وقال من أحب ان يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه. 

فبركة الزمان والمكان تابعة لما يتواصى به ابناء المجتمع فيما بينهم من بر وصلة فاذا انعدمت وتلاشت تلك الصفة وذلك المظهر أحدثت ثلمة في جدار الحياة. 

في يوم من ايام الطفولة كنت مع بعض الاقران نتفيأ ظلال بيوتنا في حارة الوادي الشرقي بالاطاولة 

مر بجوارنا رجل لم نعرفه من قبل سلم علينا ثم انطلق لبيوت الحارة بيتا بيتا يسلم على اهلها فما يلبث ان يخرج من بيت حتى يدخل بيتا اخر  ، كنا نتسال من يكون ذلك الرجل الذي يبدو انه كسر الكلفة واظهر الميانه فكانما تلك البيوت بيته والاهل اهله وكأن الطرقات قد عرفته واستانست بوقع اقدامه 

مر بنا من هو اكبر منا سنا واعرف بذلك الرجل فسالناه من يكون ذلك الزائر فاجابنا هو ابن الحارة سعد بن احمد الظلما وهو الان يعمل في الجيش السعودي برتبة ريس لم نكن ولوقت طويل نعرف من الرتب العسكريه سوى رتبة ابي عبد الله رحمه الله فقد تكون الرتب العسكريه وقتها تختلف عنها الان فقد تكون رتبة ريس موجودة والله اعلم وهي رتبة نقيب الان اي بثلاث نجمات

 تنقل في حياته العملية مابين الطائف وتبوك والخميس والرياض وفي كل مكان كان له بصمة، احبه كل من عرفه فمن كانت عادته عباده يسر الله له السير في قلوب البشر فقد كان كثير الصلة والتواصل مع قرابته وجيرانه واحبابه 

كان يسال الرحل الواحد عن جيرانه واقاربه وفي اللحظة نفسها يسالهم عنه وهو الذي كان يتحدث معه قبل قليل هذا هو ابو عبدالله سعد بن احمد رحمه الله وكانه الان يسير بيننا يعلمنا بسمته وصمته كيف تكون الحياة الحقيقية فكان لنا كجامعة للود والبر والاحسان تمشي على الارض. 

 وجه دعوة للامير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله ذات زيارة لمنطقة عسير لافتتاح مشروع حيوي داخل المدينة العسكرية لم يكن ذلك المشروع ضمن مشاريع الوزارة فتسأل الامير عن سره فاجابه بان هذا المشروع دعت اليه الحاجة وتم تموينه من فائض بعض المصروفات.

همة عالية ويد بناءة وضمير متقد  وقع ذلك المشروع باذن الله في علم الله وكرمه قبل ان يقع في يد الامير الوزير وفي ذهنه

قضى ابو عبدالله حياته العملية في الجيش السعودي كافضل ما يمكن وصفه،  فقد نال محبة الجميع من اعلى الهرم الى افراد الجيش الذين يعملون معه ولا اظن ذلك القبول له في الارض الا لقبوله في السماء ان شاء الله 

 حياة حافله بالخير والعطاء فقد كان يتفقد الناس من حوله اما زميل عمل او صديق او جار او قريب فيسال عن حاجته فيدعم هذا ويساهم مع ذاك

كان يقرأ في الوجوه وبفراسة عالية وما اظن اصحاب الفراسة الا لان قلوبهم كانت نقية وصادقة فرزقهم الله حسن البصيرة ثم حسن العمل 

فهو لا ينتظر احد الناس ان يعرض عليه طلبه بل كان يتفرس الوجوه ويستقرئ الحاله ويقيس المسافات ويدرس الحالات بعيدا عن اوراق واروقة المكاتب والتخطيط البياني والاستراتيحي  

كان يكتفي ببعد نظره وبثاقب بصيرته وبالهام الله له وما اظن ذلك الامر الا لان الله قد وضع لابي عبدالله منزلة رفيعة في الجنة لا يصلها الا بتلك النظرات والهبات والوقفات 

  مر ابو عبدالله على أحد جيرانه ليزوره في عمارته فعرض عليه فورا المساعدة بل واصر عليه ان يقبلها فاقرضه مبلغا كبيرا كان كفيلا بانهاء جميع اعمال عمارته في اللحظة التي قدم له الله ذلك العمل ليرفع به درجته فالقرض يعادل اجر الصدقة اضعافا مضاعفة  

لم يكن الله ليدع هذا الرجل وهذه صفاته واهمها صلته لقرابته وجيرانه ومحبته لهم ان يعيش مشهده الاخير لوحده بل اكرمه الله واكرم اسرته بامر قل ان يحدث لاحد حال موته 
هناك في المستشفى وفي قسم العناية المركزة والذي يكون فيه نظام الزيارات حازما حتى في الوقت تلمحدد للزيارة فمالذي حدث هناك حال قرب رحيل ابي عبدالله  فقبيل الفجر وفي الوقت الذي لا يوجد في المستشفيات زوار كان احد ابنائه حاضرا لاحظ ان الوضع غير طبيعي فاستدعى اخوته الكبار فكان حضروا اثناء عمليه الانعاش القلبي حتى عاد النبض من جديد وعندما تاكد الابناء من الاطباء بان الوفاة بعد تقدير الله ومن واقع المعطيات انها مجرد ساعات احضروا والدتهم وبقية اسرتهم وسمح لهم جميعا بان يكونوا بجواره. 

وماهي الا لحظات بعد اجتماعهم حوله حتى أخذ ينقل نظره بينهم وكانه يلاطفهم ويطمئنهم ويأنس بهم وبالحديث معهم ويروي ضمأه اليهم وكانه يشعر في تلك اللحظات انه في نعيم بحضورهم والتفافهم حوله في لحظة عز فيها الانيس والحليس 

عرفوا بانه يحس بهم حوله فسرت الوجوه وسعدت القلوب وتعانقت الارواح،  هنا اسلم روحه لبارئيها ليرحل بعد حياة مليئة بالعطاء والحب والبر والصلة رحل بصمت كما عاش بصمت 

فاللهم ارحمه واكرم نزله ووسع مدخله واجعل ما قدمه في حياته من بر وصله شافعة وسائقة له الى جناتك جنات النعيم وان تناديه يارب يوم القيامه ان قد بررت ووصلت فانا الان كما وعدت الرحم حين خلقتها واستعاذت بي من القطيعة ان اصل من وصلها وان اقطع من قطعها،  فهذا وعدي انجزه لك جزاء برك وصلتك فلتاخذي بيده ايتها الرحم ولتدخليه الجنة.

علي بن سعد الزهراني 
الاطاولة 1444/5/19هـ 
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript