رحلة المجال إلى أرض الجمال ، من مسجد العاشي الى الحرمين الشريفين


رحلة المجال إلى أرض الجمال
من مسجد العاشي إلى الحرمين الشريفين
مقدمة
 شدني الفضول ذات يوم وانا أسير بالقرب منه، تذكرت اياما خوالي قبل عقود من الزمن حين كان عامرا بالمصلين والمرتادين من عابري الطريق ومن هُبّاط سوق الربوع  ، فكم كان لطفولتنا فيه من ذكريات ، كنا نهرع الى مطاهرة ( حفر الوضوء ) نغسل ايدينا ووجوهنا من اثار اللعب ، او نشرب من بركته بواسطة الدلو المعلق بجوارها لنطفئ عطشنا غير عابئين بصلاحية مائها للشرب من عدمها ، او نصلي فيه تلك الصلوات التي يحين وقتها عندما نكون بجواره ، نعم شدني الفضول اليه فدخلته ، وجالت بي الذاكرة في كل شبر منه ، فوالله لو أذِن  لجدرانه ان تتكلم لتحدثت بحديث المحب الولهان المفتقد للاهل والخلان ، فكم من صلاة بل كم من تهليلة وتسبيحة صعدت منه للسماء وكم من رجال واحبة التقوا فيه وكم من علم نشر فيه وانتشر منه وكم وكم وكم  ، خرجت منه واغلقت بابه الحديدي والذي عمل مؤخرا لحمايته بدلا من بابه الخشبي المتهالك ، خرجت  وقد زورت في صدري كلاما احببت ان اضيفه هنا، فكان لمدونتي الادبية شرف استضافة هذا المقال الشجي عن هذا المكان البهي . 
بسم الله الرحمن الرحيم
الرحــــــــــلة

من مسجد العاشي الى الحرمين الشريفين

رحلة الـمجال إلى أرض الـجمال

شركة مجموعة المجال العربي القابضة لصاحبها رجل الأعمال معيض بن رداد 

مسجد العاشي من الداخل  ( المحراب وجزء من السقف ) 

وأنت تقف في وسط أو أطراف سوق الربوع بالأطاولة  ، وقد أزف وقت الصلاة ، سترى رجلا أبيض البشرة أبيض الثياب ، ولا أظنه إلا أبيض القلب نقي السريرة كذلك نحسبه ولا نزكيه على الله ، فهو من الرجال الأمناء بين جماعته والذين يسمون بالموامين الذين يرجع إليهم في الأمور المهمة والتي تهم الجماعة او القبيلة ، ستراه يتقدم بخطوات تجللها الهيبة نحو مبنى حجري دهنت بعض جوانبه باللون الابيض وهو ما يسمى بالنورة آنذاك ، وقد التصق بمنازل الحي السكني شمالي السوق كجزء لا يتجزأ منها  .

مدخل مسجد العاشي من الجهة الغربية 

إنه مبنى مسجد العاشي ذلك المسجد العتيق ، المبني بالحجر والمسقوف بالخشب ، يدخل ذلك الرجل الى المسجد ويتفقد جوانبه بدءا من الفناء الى المطاهر وهي مكان الوضو ذي الحفر والبركة والدلو كما هو الحال بشبيهتها في المسجد الجامع القديم  ، لا عجب في ذلك فقد عرف ارتباطه الوثيق بهذا المسجد فاصبح اهتمامه به والمرابطة عنده والمداومة فيه سمة لا تكاد تنفك عنه رحمه الله كيف لا وهو امامه المعروف . 

لم يكن ذلك الشيخ الوقور الا الوالد رداد بن سعيد بن زياد رحمه الله والذي طالما صلينا خلفه وسمعنا نصحه وتوجيهه ونحن اطفال نلعب في ساحة السوق. 

هناك وانت تمد عينيك إلى ما بين مسجده ومنزله سترى دكانا صغيرا لا تتجاوز مساحته عدة امتار  كان يجلس فيه بعض الوقت ويتناوب ابناوه الجلوس والبيع فيه حال غياب ابيهم  . 

دكان الوالد رداد بن سعيد رحمه الله

ذلك الدكان كان جزءا من سوق الربوع، وهذا السوق لم يكن سوقا تجاريا فقط  ، بل كان مركزا ثقافيا لنشر الوعي الشرعي والاجتماعي والثقافي بين الناس ، فكما كانت اسطح الدكاكين الحجربة الواقعة غربي السوق ( السقايف )  مسرحا و منصة يرتقيها الوعاظ لتثقيف الناس وتوجيههم كل اربعاء من كل اسبوع  كان في المقابل  مسجد العاشي الملاصق للسوق مكان لتجمع وانطلاق دعاة كانوا يقدمون من شتى البقاع ، من نجد ومن الحجاز بل حتى من اقاصي بلاد الهند واليمن فينطلقون لكافة القرى المجاورة ثم يعودون لهذا المسجد الذي اتخذوه مقرا وسكنا. 

لم يقف دور مسجد العاشي على هذا فقد كان يحتضن اول حلقة رسمية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الباحة حيث كانت تتبع لمكة المكرمة قبل وجود جمعيات التحفيظ كجهة مسئولة مباشرة ، وهذه الحلقة المباركة والتي لازالت مستمرة منذ ذلك الوقت الى يومنا هذا  قد تكون الحلقة الوحيدة في المنطقة التي امر بفتحها الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وذلك لعدم وجود جهات مختصة حينذاك . 

 كما ان لهذه الحلقة مع هذا المسجد وتحديدا مع والدنا الشيخ رداد بن سعيد رحمه الله حكاية، فقد اعد الاستاذ والشيخ عبدالوهاب بن مسفر حفظه الله خطابا يرغب فيه بافتتاح حلقة تحفيظ للقرأن الكريم ، استعد الوالد رداد بن سعيد رحمه الله بتولي متابعة ذلك الطلب وتوصيله للشيخ بن باز في الرياض بنفسه ومتابعته شخصيا ، فما هي الا ايام حتى صدرت الموافقة بفتح الحلقة رسميا لتسبق بهذا الاجراء كل الحلقات في المنطقة . 

عمل مبارك وخطوات بارة اضافت لعمر ذلك الشيخ عمرا فتتابع الخير له واليه بفضل الله تعالى اولا ثم بفضل سعيه واجتهاده وحرصة ثم بهمة ابنائه البررة فتواصل منهم البر بابيهم فكل حسنة منهم انما هي حسنة من حسناته تصب في ميزانه  .

الأخ معيض بن رداد صاحب مجموعة المجال العربي 

بالامس القريب تناقلت الانباء عن ارساء مشروع صيانة وتشغيل الحرمين الشريفين على مجموعة المجال العربي لمالكها معيض بن رداد بن سعيد حفظه الله  . 

وعند هذا الخبر اتوقف قليلا لينطلق بي الخيال بعيدا موغلا في سنوات العمر التي مضت لاراني امام تلك القامة وكأني اتحدث معه ونحن جلوس بين مسجده ومتجره قبل ستين عاما ، مستشرفا المستقبل بروعته وجمال اخباره  لاقول له : من هنا ايها الوالد العزيز ادر في مخيلتك انه سياتي يوم كهذا اليوم لتكون مسئولا عن تشغيل وصيانة الحرمين الشريفين وستنال شرف خدمة بيت الله الحرام ومسجد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فامض في دربك بخطوات ابنائك البررة والذين سيكملون من بعدك ما بدأته فانتظر وان غدا لناظره قريب ، نعم لا عجب ولا غرابه ان تنطلق تلك الرحلة المباركة والتي حطت رِكابها في اجمل الساحات والبقاع عابرة اجمل الطرقات منطلقة بتوفيق الله ورعايته وكرمه من هذا المكان المبارك من بين مسجدك ومتجرك لتصل للمكان الذي هو حلم كل مسلم عاقل ذي همة تعانق الجوزاء  ، وستاتي  ذات يوم وهي احدى حسناتك شركة المجال العربي لتعلن للملأ بانها وصلت الى اطهر بقاع الدنيا لتنال شرف خدمة بيت الله الحرام ومسجد نبيه عليه الصلاة والسلام فانعم بها من رحلة وانعم بها من قافلة وانعم بحاديها وقائدها واخوانه آنذاك  ، ودعته على امل ان التقيه ذات خيال في رحلة اخرى ذات جمال. 

ولان الشيء بالشيء يذكر فان لهذه الاسرة الكريمة قدم خير وباع صدق فـ "ابو بدر واخوانه ابو رداد وابو تركي وابو مازن "  ذوي اياد بيضاء في شتى المجالات ولو لم يكن هذا المقال خاص ببعض ما قدموه من خدمة لبيوت الله لذكرت الكثير الكثير من اعمالهم الناصعة البياض ولكن كما يقال: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق  ، ولعل في قادم الايام ان ييسر لنا الله رحلات اخرى مع هذه الكوكبة المباركة. 

ففي الباحة حيث النشأة لهذه الاسرة المباركة ووفاء لاهل الوفاء انشئ في وادي بيدة جامع ام بدر رحمها الله حرم الاخ غرم الله بن رداد حفظه الله وذلك في مكان قريب من القرية التي احتضنت نشاتها ليكون عملا فيه وفاء للانسان والزمان والمكان  ، فجزاك الله خير الجزاء يا ابا بدر على هذا الوفاء الذي لا يستغرب من مثلك وهنيئا لك يا ام بدر هذا الوفاء من زوجك حفظه الله والذي ينبئ من خلاله عن الرضى عنك ، فاسأل الله ان كما رفع زوجك ذكرك في الدنيا ان يرفع الله ذكركما في الاخرة فابشري فقد قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: ايما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. 

جامع أم بدر رحمها الله بوادي بيدة بمنطقة الباحة 

وفي الاطاولة يجري الان الاستعداد لاعادة بناء الجامع ليكون ذي مواصفات تتناسب مع المكان والزمان على نفقة الاخ غرم الله بن رداد واخوانه سعيد وعبدالله ومعيض حفظهم الله وخلف عليهم بخير فاي وفاء وسخاء سبقتم به في ميادين الخير يا آل رداد. 

جامع الأطاولة والمزمع اعادة بناءه ان شاء الله

وفي الدمام افتتح جامع سعيد بن رداد والذي يعد تحفة معمارية فريدة كانت ايقونة جمال فريدة ليس للحي الذي احتضنه بل لكامل المدينة  فهنيئا لك ابا رداد هذا التميز والتفرد والعطاء . 

جامع سعيد بن رداد بالدمام 

هذا غيض من فيض وهذا ما علمناه من ظاهر اعمالهم حفظهم الله ولعل هناك ما هو اكثر واكثر مما غفل عنه القلم أو غاب عن الذاكرة او غُيب عمدا ليحتفظوا به كخبايا من عمل صالح لا يعلمه من البشر أحد ، قد ادخروها عند ربهم وفي الحديث الصحيح  "من استطاع منكم أن يكون له خبيء من عمل صالح فليفعل" . 

علي بن سعد الزهراني 
الاطاولة في 1444/7/19


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript