موت وحياة

موت و حياة

لمثل هذا الموقف جاهد وكابد رحمه الله

 ليكون ابا لرجل اسمه "سعيد" 

مشروع رَجُل )

بسم الله الرحمن الرحيم 

في المقبرة .. قام الناس للعزاء ، وقمت إجلالا وإكبارا واحتراما لشخصين كانا سيدا الموقف دون منازع ، إنهما رجل ومشروع رجل . شيخ وقور وشاب أبهر الحضور .

قبل وفاته رحمه الله بيوم زرته في بيته وبصحبتي شقيقي "ابو سعد" حفظه الله ، كنا نعلم يقينا انه لن يعرفنا ، فنحن على ثقة بأنه لن يفيق ليرد علينا السلام ، لكنها زيارة مريض حثنا عليها ديننا ، نعم زرناه ونحن نعلم بحاله ، فلعل دعوة تنفع قائلها قبل سامعها ، نعم زرناه ونحن على ثقة بأن نجد الله عنده .

وقفت اتامله بصمت وتساءلت : أهذا هو أحمد بن سعيد البدادي ذلك الرجل القوي الشديد مسجى على سريره لايكاد يحس بمن حوله ؟ .

أهذا هو ذلك الرجل الكريم الذي طالما هش وبش في وجوه زائريه وضيوفه ، ندخل بيته دون أن يدري بنا ؟ 

أهذا هو الراوية ذي المحفوظات التاريخية لسوق ربوع قريش بالذات وغيره ، لا يجيد الان الحديث الا بكلمات غير مفهومه ؟ 




أهذا هو ذلك البسَّام صاحب التعليقات الخفيغة والنكت الطريفة ملقى على فراشه لا يذكر منها شيئا ؟ 

أحمد بن سعيد البدادي ليس حكاية عادية ، بل هو رواية طويلة مليئة بالدروس والعبر ، تزوج من ابنة خاله قبل عقود من الزمن ، كان من حكمة الله تعالى ان يتأخرا في الإنجاب ، وبعد محاولات هنا وهناك ، اصر على البحث عن العلاج حتى اضطر للسفر خارج المملكة ، ولأن لكل مجتهد نصيب رزقه الله بعد أن تجاوز الستين بطفلة اسماها أمل وكانه يرسم بذلك الإسم أملاً في أن يأتي لها أخ او أكثر .

وبعد سنوات تزوج من أخرى لعل ابنته الوحيدة تأنس بأخ يسندها في حياتها ويكون لها عزوة وعونا ، وهذا ما تحقق بفضل الله له ، فقد أنجبت زوجته الجديدة ثلاثة أبناء وبنت ، وقد كانت له رحمه الله نعم الزوجة الصابرة  ، فكما ذُكِر لي بأنها احبته ولم تتركه حال مرضه لحظة واحدة ، فجزاها الله خيرا .

في المقبرة حدث موقف عجيب لم يكن ليخطر ببالي ، واظنه كذلك لم يخطر ببال أحد من الحضور ، حدث كان وليد اللحظة ، وما أظن اخينا أحمد البدادي رحمه الله الا كان يحسب ويأمل ويخطط لهذه اللحظة ليكون هناك من صلبه من يخلفه ، ويكون رجلا بكل ماتحمله الكلمة من معان .

بعد الدفن مباشرة وقف وبكل قوة وشجاعة رغم الحزن الذي يعتصر قلبه ومسحة الحزن التي تكسو محياه ، ليقول جملة اختصرت حياة ابيه وأمنياته :

  "ياعزوتي يالاطاولة سامحوه وادعو له" 

هذا هو سعيد ابن أحمد البدادي الذي عاش أبوه طويلا ليراه رجلا .

اطمئن ابا سعيد فقد وصل سعيد للمنزل الذي أردت ، فها هو قد أصبح رجلا رغم صغر سنه ، فقد تحدث للناس بما كنت تتمناه له  

فرحمك الله يا أبا سعيد وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان ، وأسَّرك في مماتك بما خلفت ،  فسعيد وأخويه وأختيه قد حملوا المشعل ليسيروا بذات الدرب الذي افنيت عمرك في تحقيقه ، وأحببت أن يخلفوك فيه .

وقفة إجلال 

ونحن ننتظر الدفن انبرا امامنا ابن عمه وزوج أخته فأوضح للجميع وقال لهم :  انه يتحمل عنه كل دين ، قليلا كان أو كثيرا ، فمن له عند ابن عمه شيء من ذلك فليأته دون حرج .

شكرا ايها الشيخ الوقور ، شكرا أبا سعيد ، شكرا حبيبنا محمد بن أحمد الحاوي ، فقد اثلجت صدورنا بموقفك هذا الجلي البهي .

 قد لا يكون على ابن عمك دينا ، ولكنك سجلت موقفا جميلا يتوارى عنه كثير من الناس ، فقد تقطعت أواصر بعض الأسر وأصبح الشقيق يبعد شقيقة ويأنف من صحبته والصبر عليه ، وأمسى الإبن يتعمد ترك أمه وأبيه ، فاتيت لتعلمنا أن الدنيا بخير ، وأن دون قطع القرابة والرحم خرط القتاد ، فبارك الله لك في عمرك وأهلك ومالك .

هكذا رأيت أجواء المقبرة مساء الأمس

( مــــوت وحيـــاة )

علي بن سعد الزهراني
الآطاولة 1442/2/5


  


TAG

هناك تعليق واحد

  1. رحم الله العم أحمد البدادي رحمةً واسعه واسكنه فسيح جناته وما مات من خلف أسأل الله أن يبارك في ذريته كما لا يفوتني شكر العم محمد بن أحمد الحاوي الرجل النبيل على موقفه النبيل وما هو إلا امتداد لمواقفه النبيله في كل زمان ومكان والشكر موصول للكاتب المبدع دائماً في كل المواقف والأحداث الأستاذ علي بن سعد دمت ودامت أناملك تخط لنا ما يسعدنا ويفرحنا دمت بصحه وعافيه

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript