الرسالةُ الدَّرس


                                     


  بسم الله الرحمن الرحيم  

بمناسبة اليوم العالمي للمعلم 

والذي يوافق اليوم الإثنين 1442/2/18 هـ 

وموضوعه لهذا العام 2020

"المعلمون : القيادة وقت الأزمات"ـ

   موضوع ليس بجديد ولكنه جدير بالإهتمام ، فقد      عاشته من نحتفي بها في هذا المقال  قولا وفعلا     وهمًا واهتماما ، وذلك قبل أكثر من أربعين عاما .  

                      الرسالةُ الدَّرس 

                شهادة شكر وتقدير وعرفان 

 للأستاذة الفاضلة أم فهد / عفت بنت سعد الزهراني 

( التضحية والتغافل والعطاء ، والحكمة والصبر والوفاء ) صفات ما أن تتحلى بها امرأة ، إلا كانت جديرة بالإحتفاء )

وأنا أقلب أوراقي القديمة لعلي أجد ماكتبته ونسيته مع الأيام لأضيفه لمدونتي (شموع ودموع) من باب تبويبه وحفظه ، تمنيت أن أجد موضوعا "شمعة" ، فقد مالت كفة دموع مدونتي بكفة شموعها ولابد لها من توازن ، فحمدت الله تعالى أن وقعت عيني على رسالة قديمة كانت في عام 1400 هـ تقريبا ، وصلتني وأنا في قمة حماسي الوظيفي التعليمي ، حيث لم يمض على تعييني وقتها سوى ثلاث سنوات ، ولعل الإنسان منا إن أراد امرًا  يأبى الله له إلا أمرا آخر هو الأصلح له . 

كانت هذه الرسالة المترعة بالدروس من العزيزة الفاضلة مديرة مجمع الأطاولة للبنات أو بالأصح القائدة التربوية الأستاذة / عفت بنت سعد هندي الزهراني حفظها الله ، ردا على استدراك لي أحببت أن أثبت به سلامة رأيي بعيدا عن فهم أسرار ميدان التربية والتعليم الفسيح ، والذي لازلت حينها أحبو في رحابه وأتشبث بأبوابه .

حين أعدت قرأة الرسالة بعد أربعة عقود قلت وبقناعة تآمة : شكرا أيتها الفاضلة ، فقد أديتِ الأمانة ونصحت لنا جميعا كمجتمع شامل تجاوز حدود الأطاولة ، أولياء أمور وطالبات ومعلمات وأمهات ، فسرتِ بمدرستك وبكل اقتدار ومهنية ، تسابقين الزمن لتصلي بها إلى بر الأمان ، ولا أزكيك على الله فالكمال عزيز ، ولكن أقول ما قاله الشاعر بشار بن برد :

        ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها 
                      كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

انطلقت مستعينة بالله لتحقيق مارسمته من أهداف لترتقي بمدرستها وطالباتها ، بل وترتقي بالأطاولة كلها من خلال اهتمامها وتوجيهها وحرصها على مجتمع بكاملة ، فصلاح النساء سواء كن طالبات أو معلمات وأمهات صلاح للمجتمع والحياة كلها ، فكانت نعم الأم المعلمة الناصحة .

لم تقتصر على من بين يديها من طالبات ، رغم ما عانته من عدم تفهم بعض أولياء الأمور وقسوتهم على إدارتها ، وخاصة أيام تسلمها لمهامها الجديدة ، وكذلك عدم تقبل الطالبات للنمط الإداري الجديد ، الذى أتى لهن بالجدية بعد ان تعودن على العكس منه تماما ، بل كانت تحرص حتى على اولائك البنات اللاتي منعن من التعليم ، إما بسبب حاجة الأهل لهن في الخدمة ، او لعدم قناعة البعض حينذاك بتعليم البنات ، أو تلك التي استسلمت للقعود لعدم الرغبة في التعلم  .

 ارسلت لها ذات يوم استدراكا حول اجراء تنظيمي ، فقد كنت اظن أني نلت سبقا وانتصارا لم يسبقني إليه أحد ، فقد أوحت إلي نفسي بأني اكتشفت اكتشافا خطيرا ، لا يمت للتربية والتعليم بصلة .

رأيت دوائر حمرا في إشعارات بعض الطالبات ، في وقت الغي فيه هذا الاجراء ولم يعد العمل به متاحا ، فبعد أن كان يعرف المقصر والمتفوق بمجرد عرض بطاقته من بعيد اصبح الامر مبهما ، فالدوائر الحمراء ملفته محرجة باعثة لتحدي النفس وتلافي التقصير ، ولكن لأن هذا الإجراء حديث عهد لأولياء الأمور ولن يحقق لها هدفها رات أن تتعامل معه بحكمة .

كان انتقادي لوضع الدوائر الحمراء على درجات الطالبات ليس لعدم نظاميتها فقط ، بل لأن الدرجات المحاطة كانت أعلى من الحد الأدنى الذي يستدعي إحاطة الدرجة باللون الأحمر ، فوجدت صيدا سمينا سهلا استدعى دون تفكير وبحماس معلم مبتدئ ، أن يبرز قلمه الذي شب عن الطوق قبل أوانه ، وظن أنه بتلك الملاحظات بلغ الكمال ، فكتب وانتقد بل وقسى وأغلظ في الكلام .

كان ردها رائعا ، ينبئ عن قامة تربوية عظيمة ، وعقل يسبح في بحر من الحكمة والعلم والثقافة ، فتعلمت من رسالتها مالم اتعلمه من كتب التربية ، بل حرصت وعملت بما تعلمته مع طلابي فلرب ضارة نافعة ، فقد عرفت أن الادارة فن ، وأن الاجتهاد متاح ، وأن التعامل بروح النظام أولى من التعامل بألياته الجامدة .

رأيت قناعتها وعرفت منهجها بأن الطالبة إن لم تكن متفوقة مقابل مايبذل لها من جهد فهي تستحق المتابعة ، فرأت بخبرتها وحرصها أن تلك الدوائر الحمراء هي أكثر ما يمكن أن تهز به وجدان الأباء والأمهات للفت انتباههم لمستوى بناتهم وتلافي تقصيرهن ، فبعض الاباء حينذاك لا يميزون بين المتفوق والمقصر إلا بتلك الدوائر الحمراء وفي الأخير هي مجرد ورقة لولي الأمر تختلف عن ما يحفظ في ملف الطالبة شكلا وليس مضمونا ، فالمحتوى واحد .

لم تكن مجرد معلمة موظفة بقدر كونها أمَّا للطالبات والمعلمات على حد سواء ، فالموظف يؤدي عمله على مكتبه ثم يعود لمنزله ، وقد ألقى همه وتعب يومه خلف ظهره ، ولكن لأنها تحمل هما مختلفا وأهدافا نبيلة ، اختارت الطريق الأصعب ، رغم أنه يسعها فعل مافعله الاخرون ولا ملامة عليها ، فقد كان همها وإهتمامها ترسيخ القناعة في المجتمع بكل أطيافة بأن التعليم هو الأولى ، فلم تقتصر على داخل إطار مدرستها ، بل تجاوزت ذلك لتنشر ثقافة الرغبة في التعلم والحرص عليه بين الأمهات والبنات حتى في المناسبات العامة واللقاءت الأسرية ، وكل ما أتيحت لها فرصة في هذا الباب اقتنصتها .

 قبلت قيادة المجمع في وقت ازمته ، وما ذلك إلا من باب مكره أخاك لا بطل ، فقد استشعرت المسئولية والخوف على تاثير الوضع القائم على الطالبات بل على المدرسة ككيان ومكان ومكانة ، فكان قرارها كتحد صعب نصبته امام عينيها وكانها تقول : إما أن أكون أو لا أكون ، فأدارت الأزمة بعين المشفقة ، وقلب المحبة ، وعقل الحكيمة ، فقد كان الوضع بالنسبة لها تحد وأيما تحد ، أسفر عن كشف سر التميز والنجاح الذي لمسناه منها دون رتوش ، فقد كانت الظروف التي قادت فيها المدرسة صعبة جدا ، فالمشاكل تعصف بالمجمع صباح مساء ، فمديرته السابقة ومعلماته كلهن من الأخوات المتعاقدات من جنسيات مختلفة ، لم يجد التجانس بينهن سبيلا ، فانبرت حفظها الله بعد أن تم نقلها لإدارة المجمع لإعادة بناء الثقة والمحبة والود بين المعلمات ، وسل سخيمة أنفسهن ليعود لهن الوئام وروح الفريق ، وكذلك إعادة ترتيب الاهتمام بالطالبات وحاجاتهن ، وكسب أولياء الأمور في صفها لتستطيع تعديل المسار ، فكان لها ما أرادت ولكن بصعوبة بالغة ، فقادت السفينة لشاطئ الأمان بعد تعب وهم وصبر ، وكل ذلك كان بصمت واتزان ، فاستقام العمل وتحفزت الهمم وانطلقت المسيرة ليتخرج على يديها مئات الرائدات المبدعات ، واللاتي واصلن المسيرة من بعدها ، مستلهمات سيرتها كنبراس يقتدى به ، فالهدف كان أمامها واضحا جليا ، وهو أن يكون مجمع الأطاولة مضرب للمثل ومنارة لمن اراد الإقتداء به ، وأن ترى طالباتها قِيما تسير على الأرض وفاء منها للمكان والإنسان  .

 لم تنس شغفها بالتربية والتعليم رغم تقاعدها ، فقبلت بعد سنوات عرض الإشراف والإدارة لدار الملك فهد لرعاية الأيتام ، لتختم حياتها التربوية التعليمية بعمل اثنى عليه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال : 

" أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بأصبعية الوسطى والسبابة " 

فكانت نعم الأم لنزلاء تلك الدار من الأطفال ، فخدمتهم واهتمت بشئونهم لسنوات رغم ما نالته من عقبات حتى في عملها التطوعي ، ولكن هذا حال من يسير في طريق الرسل والأنبياء ، إذ لا بد له من ابتلاء يدفعه كسبب يصل به لدرجته العالية من الجنة .

 لا تكاد تجد بيتا في الأطاولة وما جاورها إلا ولها فيه بصمة ايجابية ، ولا أظن ذلك إلا إخلاصا منها وحسن نية ، فبارك الله لها بذلك في بنيها وبناتها ، فمن وهبت نفسها لخدمة بنات المسلمين وتربيتهن وتعليمهن والإهتمام بهن ، سترى انعكاس ذلك في صلاح وتوفيق وتفوق بنيها وبناتها ، وهذا ما حصل بالفعل ، فقدمت نتاجا رائعا من أهل العقول المتقدة وأصحاب السير المضيئة ، ما بين شيخ قبيلة وأستاذ جامعة وطبيب ومهندس ومعلمات ذوات أثر .

تلك هي فخرنا وأستاذتنا الفاضلة " عفت بنت سعد هندي" حفظها الله ، والتي تستحق من كل بيت من بيوت الأطاولة وما جاورها بل من كافة بيوت المحافظة وقفة إعزاز وتبجيل وثناء وتقدير ، فأياديها البيضاء لا ينساها الصادقون المنصفون ولا ينكرها الا الشانئون المثبطون  ، نعم هي تستحق منا جميعا ذلك وأكثر ، ليس في اليوم العالمي للمعلم فقط ، بل في كل أيام العام ، فرموز التربية والتعليم ليست كغيرها ، فقد خلقت لتبقى نورا يتبعه نور لا ينطفئ حتى قيام الساعة ، فجزاها الله عنا وعن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا خير الجزاء ، ورفع الله قدرها ومنزلها في عليين . 

هذا ما عرفته عنها حفظها الله من رسالة وسماع محدود ، فكيف بمن عاش معها المواقف وعايشها ، من طالبات ومعلمات ومشرفات وأمهات وذوي قرابه ؟ فدروسها بالتأكيد كثيرة ، شرفت هنا بذكر طرف منها ، و كما يقال : يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، وما لا يدرك جُله لا يترك كله . 

علي بن سعد الزهراني 
مكة المكرمة 
1442/2/18 ــ 2020/10/5 

 





TAG

هناك 3 تعليقات

  1. الاستاذه الفاضله عفت حفظها الله مربية الأجيال على الأخلاق والقيم النبيله والعفه والصلاح اسم على مسمى فهي فخر وقدوة لكل محافظة القرى هناك من يبقى ذكرهم يسمو بالحب والخير أمثالها وهناك العكس

    ردحذف
  2. مسيره حافلة بالتضحية والتربية والتعليم أسأل الله أن يديم عليها الصحة والعافية وأن يجعل ما قدمت في ميزان حسناتها

    ردحذف
  3. إلى من أعطت.. وأجزلت بعطائها.. إلى من سقت.. وروت مدرستنا علماًوثقافة، إلى من ضحت بوقتها وجهدها.. ونالت ثمار تعبهاوهي تشوف معلمات ورائدات اكتسبن من خبراتها .. لك أستاذتنا الغالية.. كل الشكر والتقدير على جهودك القيمة. جعله الله بموازين حسناتك والشكر موصول لابو عبدالله الله يعطيه العافيه تحدث بكلمات انتِ اهلُ لها

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript