صديق الطريق


صديق الطريق
بسم الله الرحمن الرحيم
ورحل الرجل الكريم

فاللهم يا أكرم الأكرمين أكرم نزله ووسع مدخله وأحسن وفادته ، فما علمناه إلا كريمًا سخيًا في كل مفاصل حياته .
 كأني بأنين الطريق يقرع الآذان ، فقد فقدت صديقا عزيزًا واخـا حبيبـا طالما أنست به وأنس بها ، افتقدته منذ زمن ولكنها بالتاكيد كانت تعيش الأمل للقائه ، نعم هي افتقدت حس قدميه ولكنها لم تفقد انس روحه  فلم تتخل عن دعائها له بأن يعيده الله إليها وهو يرفل في أثواب الصحة والعافية ، ليلامس بخطواته النديه ثرى أديمها المتعطش .
لم يكن الكرم الذي عاش أبو محمد به ومعه كرمًا عاديًا بمفهومنا القاصر المحدود ، فقد تعدى والدنا وحبيبنا أحمد بن كلفوت رحمه الله بإفعاله كل معاني الكرم ، فكان كريمًا بماله سخيًا بوقته معطاءً بتعامله وباذلاً حبه للناس دون شرط أو قيد .
 إما عن صداقته للطريق فحدث ولا حرج ، وإن كنت معزيا أحدا فلا تنس عزاء الطريق فقد وترت اليوم بصارم   .
كنا نراه يتنقل بين البيوت وذلك عبر طرقاتها مشيًا على الأقدام ، حتى ألِفته  وأحبته ، وكأني بها الآن تتساءل عنه وعن سر غيابه ، فقد كان يتفقد المرضى ويجالسهم ويوانسهم ويصبرهم .
كنت أقول له : ياعم أحمد عندك سائق خاص ومع ذلك أراك تتنقل بين بيوت المرضى على قدميك فهلا أرحت نفسك ؟  فكان يقول لي : السائق للمشاوير البعيدة إما في الداخل وأن تباعدت المسافات فإني أحب المشي ،، ولو اراد أن يقول لصدق ، بأن الله قد استعمله ليكتب خطواته في موازين أعماله ، ومع أن الأجر ثابت في الحالين ـ المشي والركوب ـ إلا أن هناك علاقة وجدانيه قد نشأت بين قدميه والأرض التي يمشي عليها لزيارة حبيب ومؤانسة صديق فأصبح لا يستطيع الفكاك منها . 
كنت أتوقف له إذا رايته يمشي في الطريق رغم اني أعرف رده مسبقا ، وكنت احتال عليه ليركب معي فأنا أحب أن اسولف معه ولو لدقائق ، فيقبل النزول عند رغبتي ، فقد كنت استمتع بالحديث معه كاستمتاعي بخدمته التي كنت أحتال عليه لتقديمها .
كان أحد الجماعة رحمه الله مريضًا جدًا ، وكان إذا اشتد به المرض وسئيم من المكان واحتد منه المزاج وخاف أهله عليه عرفوا علاجه الناجع ،  فاستدعوا العم أحمد بن كلفوت للجلوس معه ، فما أن يسمع اسمه من أفواه بنيه حتى يهدأ ويرتاح ، فما أن يحضر حتى تنبلج أسارير وجهه ويتغير حاله من حال إلى حال .
أبو محمد العم أحمد بن كلفوت رحمه الله ، ذلك الرجل الكريم ذي الروح الطيبه والقلب العطوف ، كان ابًا واخًا للجميع ، مشجعًا لكل خطوة ايجابيه ، وله في ذلك موقف عجيب .
اخبرني عامل مكتبه انه اشترى غرضا ذات يوم فدفع عشرة اضعاف قيمتها ورفض أخذ الزيادة بحجة أنه يشجع المحل لاستمراره وأنه يحمد الله أن كُفي المشوار إلى مكان آخر بعيد .
العم أحمد رحمه الله رجل مبارك ، فقد ناهز المئة عام بل يزيد ، أعوام كلها خير و بركة ، ولا أظن أحدًا حضي بما حضي به رحمه الله ، فهو لم يمت حتى رأي احفاد احفاده وهو بصحة وعافية .  قبل عشرين عامًا كان يحضر للسؤال عن ابنه في الصف الأول الإبتدائي فوجدت أمرا عجبا ، عدت لاجل ذلك أسال زملائي معلمي المدرسة سؤالا لم يجب عليه احد .
كان سؤالا غير متوقع ، فهناك طالب في الصف الثالث متوسط جده طالب في الصف الأول ابتدائي في المدرسة نفسها ، لم يكونا سوى ابن حفيد العم احمد وابنه هو .
الآن وأنا أكتب هذا المقال انظر من نافذة في بيتي حيث كنت اراه منها كل يوم ولسنوات عديدة يعبر الطريق لبيت من بيوت جيراني هو بيت العم سعيد الشملاني رحمه الله ،  تذكرت الإثنين ورحيلهما ولم يبق الا ثالثهما تلك الطريق التي كانت حلقة الوصل الحسي بينهما والتي لا تزال تشهد لهما بالخير .
 رحم الله العم أحمد وغفر له وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وأحسن الله عزاءنا جميعا وانا لله وانا اليه راجعون .

علي بن سعد ساعد 
الأطاولة 1442/10/24هـ
  


TAG

هناك 4 تعليقات

  1. بيض الله وجهك أيها الاستاذ والمؤلف الكبير علي بن سدران الزهراني كتاباتك تلامس النفس بكل رقة ... وفقك الله ورعاك

    ردحذف
  2. جزاك الله كل خير استاذنا العزبز علي سعد ساعد على ما خطته يمينك من صدق العبارة ونبل الكلمة في هذا المقال الشيق الماتع عن احدى الشخصيات البارزة في الاطاولة فرحم الله الشيخ احمد بن كلفوت واسكنه فسيح جناته والهم اهله وذويه الصبر والسلوان .

    ردحذف
  3. كلماتك تكتب بماء الذهب في جميع مدوناتك .. بارك الله لك وقتك وفي عمرك وجزاك الله كل خير ... فانت مدرسة النبل والكرم والاصالة والوفاء .. شكرا من القلب

    ردحذف
  4. سبحان الله مايجداحد يذكر عنه ذكراطيبا وسيرةطيبة بعدرحيله الاانه دلالة على حسن السيرةوطيب الممشى والأخلاق الفاضلة .
    رحمه الله
    وابدعت فيماكتبت جزاك الله خيرا

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript