في قرية نائية يحتضنها جبل مرتفع تطل على واد كثيف الاشجار كثير المياه ، جلس المعلم ذات يوم مدرسي شديد البرودة مع تلاميذه الصغار شرق المدرسة للتعرض لدفء اشعة الشمس .
كان درسه في فضيلة الصدق ، فعرض عليهم قصة صاحبة اللبن التي سمعها عمر رضي الله عنه وهي تقول لامها : ان كان عمر لا يرانا ونحن نخلط الماء باللبن لنكذب على الناس فان رب عمر يرانا .
وبينما انظار وأذهان التلاميذ منجذبه تماما لمعلمهم اذا برجل من اهل القرية يجري خلف حمار له قد هرب منه .
قام المعلم وامسك طرفي ثوبه موهما الحمار ان فيه اكلا وقال بصوت مرتفع يخاطب الحمار : حب حب حب شوشا شوشا حب حب (عبارة ينادى بها الحمار الشارد) وهي بمعنى ان في ثوبي حب (حنطة او شعير )
اقبل الحمار اليه وعندما امسك به المعلم ترك ثوبه ليعود كما كان .
اتى صاحب الحمار واخذه ثم شكر المعلم ومدح طريقته الذكية .
عاد المعلم لتلاميذه وقال لهم : هذا المشهد سيكون واجبكم المنزلي فليكتب كل منكم تعليقا على هذا المشهد ولو بجملة واحدة .
وفي اليوم التالي حضر التلاميذ الا واحدا ، تكلم الجميع امام معلمهم فمنهم من مدح ومنهم من قال ولكن ما شعور الحمار عندما لم يجد شيئا ؟ ومنهم من قال لو ان الحمار يتكلم فماذا سيقول .
وفي نهاية الحصة دخل التلميذ المتأخر ، وضع كتبه وعلبة كبريت وحفنة شعير على مكتب المعلم ثم اشار الى النافذة وقد ربط الحمار نفسه في جذع شجرة قريبة امام نافذة الصف ثم اتجه لمقعده بين زملائه .
ابتسم المعلم وقال للتلميذ اطمئن فدرس الامس لم ينته بعد ، نظر المعلم لتلاميذه وقال : هذا زميلكم وقد اراد ان يخبرنا ان التناقض في الحياة امر سيء ، وان معلمكم يعطيكم قيمة اخلاقية ثم يناقضها بفعل ما يعاكسها ، فأحضر كبريتا ووضعه مع كتبه وكانه يقول لنا يجب ان تحرق اذ لا فائدة منها لاننا لم نطبق ما فيها فكانت عبئا ثقيلا علينا ، اما حفنة الشعير هذه فهيا بنا جميعا لنقدمها للحمار بعد ان شارك معنا في تقديم درس عملي جميل ، ثم قال لتلاميذه مافعلته امس كان مقصودا لاستثير فضولكم واشحذ افكاركم واستدعي قيمكم النبيلة التي تعلمتموها.
وما هذا المشهد الاخير الا باتفاق بيني وبين زميلكم هذا لاغرس فيكم حقيقة ان الصدق لا يتجزأ فلا فرق ان تكذب على انسان أو حيوان فالكذب كذب وحبله قصير .
انتهت
علي بن سعد الزهراني
الأطاولة ١٤٤٢/٦/١٨
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق