قلب أب

              




بسم الله الرحمن الرحيم 


قلبُ أب

ضمن قصص بيوت الحمد 


نشرت هذه القصة في شهر رمضان المبارك من عام 1433 هـ ضمن مسابقة بيوت الحمد والتي تتحدث عن فقد الاولاد بنين وبنات في حياة ابائهم وامهاتهم او أحدهم ، اعيد نشرها هنا مع بعض التصرف .

جلس متململا بعد أن صلى الفجر ..لايكاد يستقر في مكان واحد .. عاد الى فراشه  .. فلربما استطاع ان يغفو قليلا  قبل أن ينطلق الى بعض مشاغله ..ولكنه لم يجد الى الراحة سبيلا ..نهض من جديد  متنقلا داخل منزله  حتى بسطت الشمس اشعتها على القرية ..فخرج الى سيارته .. ادار محركها متجها الى بعض اصحابة في محل تجاري يقع في أطراف القرية .

فما أن اجتمع الصحب حتى اتفقوا على ان يخرجوا الى احدى الجهات للتنزه والتسوق ..فعاد كل واحد الى منزله  ليعد العدة لذلك المشوار.. ولكنهم عندما اجتمعوا ثانية كان لصاحبنا هذا وجهة نظر أخرى ..فقد قرر فجأة ان يغير اتجاه سير الرحلة الى جهة معاكسة تماما .. فاقترح ان تكون الرحلة الى تهامة ..والا فانه سيعتذر عن مصاحبتهم ..فوافقه الجميع دون استثناء.. فانطلقت بهم سيارتهم الى وجهتهم الجديدة.

لم يكن صاحب قصتنا كعادته .. فهو الرجل المرح صاحب الطرفة والابتسامة ..وسرعة البديهه والتعليقات اللاذعة .. فقد كان طوال الطريق سارحا شارد الفكر .. لايكاد ينبس ببنت شفه ..حتى انتقده كل من كان معه  ..فقد تغير طبعه ..فأين ذهبت منه تلك الروح المرحة ؟ ..وتلك القفشات المضحكة .. دخلوا لاحد المطاعم  لتناول طعام الغداء ..فجلس معهم مجاملا لارغبة لديه في طعام ولا شراب .. قام سريعا ليدفع قيمة الغداء فدفع ضعف المطلوب ..ولم يعرف بذلك الا بعد حين  .

اتجهوا بعد ذلك الى جهة البحر ولكنه رفض بشدة ..  وقال لا ..فنفسي مقبوضة من السير في اتجاه البحر .. لنذهب الى جهة اخرى ..فعادوا ليتجهوا الى مكان اخر .. وقبل الغروب قال لاصحابه بشيء من القلق والتردد ..ان كنتم لاتريدون العشاء هنا فهيا بنا لنعود الى القرية ..هنا قررالجميع ـ ونزولا على رغبة صاحبهم .. ولما شاهدوه ولاحظوه عليه من قلق وعدم راحة ـ العوده دون تردد .. ولكن مالذي جعل قلب ذلك الرجل مشغولا هكذا ؟ ولماذا حول رحلة اصحابه الى تهامة ؟ ولماذا رفض الاتجاه الى البحر ؟ ولماذا اصر على العودة قبل الاوان؟.

لقد كان هناك امر جللا يقوده بقوة الى مكان ماء .. ولكن لطف الله تعالى يبعده عن ذلك الامر كلما اقترب منه ..حكمةٌ الله اعلم بمراده منها ..فلعل سرها ينكشف لنا  حينما نعود على بدء القصة .

ودع عند الفجر ابنه الحبيب والذي هو لديه اغلى من السمع والبصر.. ابنه الذي بدأ الاعتماد عليه بعد الله في كل صغيرة وكبيرة .. ودعه برفقة صديق له الى تهامة وتحديدا الى القنفذة .. فكأن قلب الاب  حين غير مسار رحلة اصحابه  قد استشعر حاجة ابنه اليه .. فهو يعلم عن مكان ابنه ..فلعل القلوب تجاذبت لامر ما .. ولعل رفضه التوجه الى البحر..كان لسبب قوي قد أخفاه الله عنه لحكمة ..

عاد هذا الاب واصحابه باتجاه القرية ..ولكنهم عند اول منعطف في عقبة الباحة ..كان احد الجالسين يتحدث مع ابنه عبر الجوال.. ويخبر أباه بأمر هام .. بدأت تظهر اهميته من طريقة كلام المتحدث ..  كانت تلك اللحظات تمر على ذلك الاب  كالساعات .. وكأن جبال المنطقة كلها على ظهره .. فما ان انتهى صاحبه من المكالمة الا ويبادره ذلك الاب بجملة مفاجئة خرجت كالقذيفة .. هل مات ابني  ؟

نعم مات ابنك  ايها الرجل .. الم يخبرك قلبك منذ الصباح .. الم يخبرك قلبك عندما اردتم البحر ..  ليس غريبا عليك ان تحس بما وقع .. فأنت منذ الفجر وانت هناك .. مع ابنك بقلبك وعقلك واهتمامك ..لم تستحسن الابتعاد عنه حتى في النزهات .. فتبعته لتكون قريبا منه .. الم يخبرك قلبك بسبب كراهتك في الاتجاه الى البحر ؟..اتدري لماذا ؟ لانه في تلك اللحظات قد خطف منك أعز ماتملك .. فكيف ستمتع ناظريك بمن خطف فلذة كبدك وثمرة فؤادك .

عاد ذلك الاب مع اصحابه الى القنفذة مباشرة .. ليجد ابنه قد مات غرقا في البحر ..اما صاحبه فلم يجدوه الا فجر اليوم التالي فرحمهما الله رحمة واسعة وعوض والديهم خيرا واسكنهما بيوت الحمد من الجنة .

هذا الأب هو الأخ الحبيب عيد بن غازي بن عتيق العاشي اسال الله ان يعوضه خيرا وان يربط على قلبه وقلوب افراد اسرته ، اما ابنه فهو الشاب نايف بن عيد رحمه الله .


مصادر القصة 

1/ الاخ عيد بن غازي 

2/ غرم الله بن محمد الضايق 

TAG

هناك تعليق واحد

  1. رحم الله الغريق نايف وجعله شفيعا لوالديه وجزى الله والديه على صبرهم على فراق ولدهم . وشكرا لك استاذ على على ما سطرت اناملك

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript