تخرج في زمن كرونا



تخرج في زمن كرونا




بسم الله الرحمن الرحيم

قبل عامين اخذت عائلتي لمشوار هام ، كنا قد اعددنا له مبكرا دون علم صاحبة الشأن ، اوقفت السيارة في مواقف جامعة ام القرى قسم البنات بالزاهر ، فبعد قليل ستخرج من بوابة الجامعة ابنتنا اسماء كخريجة .

احتفينا بها بطريقة مختلفة ، فاجأناها بهذا النوع من الاستقبال ، فقد قررنا ان يكون من امام بوابة الجامعة ، وتحديدا تلك البوابة التي كانت تدخل وتخرج منها في غالب ايام دراستها .



 احببنا ان نشعرها باننا قد اتينا لنحمل معها الفرح ، فكما يقال ان الفرحان لا تسعه الدنيا ، واتينا ايضا لنقتسم معها تعب السنين الذي حملته على مدار ستة عشر عاما ثم نلقيه عن كاهلها وكواهلنا للابد ، فهاهي الان تتنفس الصعداء بعد ان ارهقها العناء .

واليوم تتخرج اختها هاجر ولكن ليس من المكان نفسه وليس من البوابة ذاتها رغم اشتراكهن في ذات المبنى والبوابة  فبسبب ما استجد من احترازات بسبب كرونا ، كان الوضع مختلفا ، فقتل الحماس وقتل عنصر المفاجأة وقتل الاهتمام ، وانتهت فكرة ان نعيد لهاجر ما صنعناه لاسماء ، قاتلك الله ياكرونا وكفانا فيك بما يشاء ،

مع هذا الحال نسيت ان ابنتي ستتخرج بعد لحظات ، ومن الجامعة نفسها ولكن لن تخرج من بوابة الجامعة بل باب غرفة في زاوية بيتها .

فقد اختارت احدى غرف المنزل لتكون صالة امتحان ، دخلتها وهي طالبة وستخرج منها بعد ساعتين خريجة ، كانت تحمل معها وهي داخلة شيئا ما لم نتبينه ولم تفصح عنه ، كانت تريد ان تفاجئنا به بعد انتهاء مهمتها .

اما انا فرغم حبي في ان اتواجد وبقوة في مثل هذه المواقف الا ان سيئ الذكر افقدني الشعور والاستشعار بان هناك فرح قادم بعد دقائق .

شكرا عبدالله ، شكرا فاطمة ، شكرا أروى ، شكرا أمل ، شكرا أسماء ، فقد استدرجتم الفرح من حيث يدري ولا يدري ، استملتم قامته السامقة اليكم ، فأوعزتم له بذكاء وهمستم في اذنه بحكمة ان انزل الينا ، وانت ممتطيا صهوة جوادك ، ليعدو في ميداننا قليلا ، وليضبح في طرقاتنا حنينا ، وليقدح في اذهاننا فخرا ، وليثير بسنابكه نقع ارواحنا حبا ، وليغير بنا صبحا مباركا على احزاننا ، شكرا لك ايه الفرح ايه الفارس القادم شكرا لجوادك الذي اسعدنا بك رغم انف كرونا ، شكرا لكم اولادي فأنتم لم تجعلوا من كرونا عائقا للفرح ، بل قدمتم له درسا لن ينساه .



 اقتحمنا عليها المكان بعد ان انهت امتحانها لتفاجئنا بشكل مختلف عن ذاك الذي دخلت به ، فاذا بها ترتدي روب التخرج وقبعته ووجهها يتهلل بشرا وسعادة .
استدرجناها وسط فرحها وبهجتها دون علمها لغرفة ثانية قد اعد فيه حفلا لم تتوقعه وخاصة في زمن كرونا .

لم نكن لوحدنا فبقية الاسرة الذين منعهم الحظر والحجر كانوا معنا من خلال برامج التواصل صوتا وصورة ، فهذا ابني وبناتي واطفالهن من منازلهم  يشاركونا بقلوبهم وارواحهم والسنتهم دون حضورهم الجسدي .

دخلت المكان فكادت من جمال المفاجأة ان تطير فرحا ، اذ لم يخطر في بالها ان يتم لها مثل هذا الاحتفاء والاهتمام في ظل الحظر والحجر .



قوقي مختصر هاجر ، اسم ابتكره 
علاوي ابن ابنتي فاطمة حين بدأ الكلام 

عدنا بعدها لمكان جلوسنا امام التلفاز لنشاهد فلما عن تخرج هاجر اسعدنا جميعا ، ثم شاهدنا ابداعا اخر عن بعد ، يتمثل في دمية جميلة صنعت من الصوف يمكن تشكيلها باوضاع مختلفة ، ومع انها دمية الا انها كانت الملهمة لهذا المقال .

هكذا يصنع الفرح في البيوت فكلما كانت القلوب محبة ابدعت وتفننت وخططت للاسعاد والفرح ، اجتمعنا كلنا بارواحنا وقلوبنا رغم تباعد اجسادنا ، فلله الحمد والمنة .

فرحنا كثيرا بتخرج هاجر ، ولعل فرحتنا بسعادتها بما اعد لها رغم بساطته وما رأته من احتفاء واهتمام لم تكن تتوقعه كان أكثر واكثر ، اذ في عرفنا الحالي لا وجود لفرح في زمن كرونا .

علي بن سعد الزهراني
مكة المكرمة 1441/9/22هـ









TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript