غاب الجميع وحضر خالد



في حفل حاشد
غاب الجميع وحضر خالد

مدخل
منحة أخرى يكرم الله بها هذه الاسرة الكريمه لينظر ما هي صانعة وكيف ستتعامل مع لحظات الفرح والحزن ، فبعد شهر من موت خالد رحمه الله جاء يوم فرح ابن عمه محمد ، فغاب من غاب ، ولكن خالدا حضر .

بسم الله الرحمن الرحيم

كم أنتي عجيبة ايتها الانفس  ، تحزنك الاحداث المفرحة ، وتفرحك الحوادث المحزنه ، تحزنين لموت صناع الفرح والبهجة في نفوس الاخرين وكانك خائفة عليهم ، فتسيئن الظن بعدل الله فيهم ، وتفرحين لموت صناع الالم والمفرطين في حق الله وحق انفسهم وحق المحيطين بهم وكانك تقنطينهم من رحمة الله التي وسعت كل شي ، فالحزن لموت هولاء اولى ، والبكاء على تفريطهم اجدر واصدق ، فلماذا الحزن الطويل على من شهد له البعيد قبل القريب بسمو روحه ودماثة خلقه وعظيم بره ،  الا تعلمين يانفس بان الناس شهود الله في ارضه ؟! .

اتساءل احيانا ما بال امهاتنا في فلسطين يشيعن فلذات اكبادهن بالزغاريد ونثر الورود وتوزيع الحلوى والهدايا ، فاقول في نفسي هل ذلك لضعف المحبة وقلة الترابط بين افراد الاسر هناك ، أم ذلك لاغاضة العدو تطبيقا لمقولة ابتسامة المهزوم تقتل فرحة المنتصر ، ام لايمان وقر في القلوب بان ميتهم قد انتقل من خير الى ماهو خير منه ، وقبل ذلك عجبت من ثبات الخنساء رضي الله عنها ــ وفي تاريخنا الكثير ــ والتي كادت ان تهلك في الجاهلية حزنا على اخيها صخر ، وعندما هذبها الاسلام قالت عند استشهاد ابنائها الاربعة في يوم واحد ، الحمد لله الذي شرفني بموتهم ، فهل السر في الانفس ام في الاحداث ، ان السر في ذلك دون شك يعود للاسلام ، فهو دين الفرح والتفاؤل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم فقد في عام واحد عمه ابا طالب الذي كان يناصره ويحميه ، وزوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها والتي كانت تؤازره وتدعمه وتسليه ، اضافة لحصاره في الشعب لثلاث سنوات وطرده من اهل الطائف حتى ادموا قدميه ، احزان تترى تكاد ان ينسي بعضها بعضا ، كل ذلك وهو حبيب الله ، ولكنها الخلة والاصطفاء فكان لاجلها ذلك الابتلاء ، ليبقى التعلق بالله وحده ، لا بأحد من البشر ، فكان جزاء صبره ورضاه ان سلاه ربه وانتزعه من حال الحزن الذي يعيشه لحال اخر سيفرحه ، فاسرى به لبيت المقدس وعرج به الى السماء في اعظم رحلة عرفها البشر ،، لتكون له تسلية بعد احزان عظام ، وذلك مما اسر النبي وسرى عنه .

بالامس كتب الله لنا لحظة فرح لينتشلنا جميعا من مشهد حزن استمر لشهر كامل فالمبالغة في الحزن منهي عنها شرعا ، وهو مما يؤلم الميت في قبره ، فخالد لم يكن في يوم من الايام مشروع حزن وانكفاء ، ولم يكن في لحظة من لحظات حياته بعيدا عن افراح واحزان البعيدين بوجدانه وجوارحه ، فكيف بافراح اسرته ، فالمشاركة في الاحزان ليست اهم ولا اولى من المشاركة في الافراح فغياب الاحباب في الحالين مذموم .

في الامس حضر  احباب خالد  ليشاركوا في افراح اسرته كما شاركوها في احزانها ، وبرغم الحضور الكثيف وما يحملوه من حشد وجداني   فان المكان والمشهد برمته يكاد يكون خاليا من الحضور الا من خالد ، فقد كان حضوره مبهجا ومشاركته غالية ، نعم غاب الجميع وحضر خالد ، رأيت ذلك جليا واضحا دونما رتوش ولاغبش ، رأيت خالدا في روح ابيه المتعب المنهك ولمحته في حيوية وليد وابتسامة أنس وفستان دانه ، رأيته وكأنه يكاد يقفز من اعينهم وقسمات وجوههم ليلثم ويحضن كل من في طريقه ، 

هولاء هم اكثر من افتقد خالد وحزن عليه ومع ذلك حضروا ، لم يثنهم حزن راحل عن فرح قادم ، حضروا بارواح تشع فرحا وحبورا ، حضروا لان اخلاق ابيهم ومحبته لاعمامه وابناء اعمامه وللناس جميعا لازالت تجري في عروقهم ، فلم يستطع الحزن بكل جبروته وقسوته أن يوقفها ، فالحزن سينسى ذات يوم وستبقى المواقف خالدة .
يقول شاعرنا أبو أسامة /
سعيد بن سعد ساعد حفظه الله :

لولاك يا النسيان مـا ارتاح واحــد
               يمسي  على  همه   ويصبح  بهمه

نعــمة وانـــا لله  شاكـــر  وحامـد
                ياكـبرها  للنــاس  مـ الـرب  نعـمه

البـارحـة نحـزن علــى فـقد خـالد
                واليــوم نفرح في زواج ابـن عمه

وبعد :
هذا هو خالد الذي نعرفه ، عاد ليعلمنا بحضوره أن نوقف الحزن في حضرة الفرح ، فهل نستطيع ذلك ؟؟؟

علي بن سعد
جدة 1439/5/2 

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript