دموع التراسيل (الجزء الأول)



دموع التراسيل  
( من قصص بيوت الحمد )
الجزء الأول 
ما أن يحل المساء من يوم الجمعة ويبدأ الظلام يرخي سدوله على القرية ..حتى يهتز البيت فرحا واستبشارا.. فالاطفال في حركة متزايدة وتفاؤل وترقب ..فهذا هو الوقت المحدد من كل اسبوع ..والذي ينتظرون فيه ضيفا عزيزا  .

فماهي الا لحظات حتى يطل عليهم أبوهم من خلف البيوت ..يحمل في يده بقشة من القماش كانت هي حقيبة السفر لدي الكثير من الناس ..فيتسابق الاطفال اليه ليحملوا عنه ما بيده وليتعلقوا به فرحا بقدومه  .

يجلس بينهم مداعبا اياهم ليدخل السرور عليهم ..فلعله يعوضهم عن غيابه وغياب والدتهم  بتلك البسمات التي تخفي وراءها جبال من التعب والهم والحزن والقلق .. فقد عاد كعادته الاسبوعيه الى بيته ..وحق له ان يسر برؤية أولاده .. وأن يحمد الله أن وجدهم بصحة وعافية ..ولكن في القلب مافيه ..فقد ترك خلفه في مدينة الطائف وفي المستشفى تحديدا ..زوجته وأم أولاده وربة بيته ومعها ابنتها الشابة ..والتي ترقد هناك منذ عام تقريبا .

نعم انه عام من عمرالزمن مر على هذه الاسرة بروتينه الثابت .. فهاهو الاب ينطلق الى عمله في مدينة الباحة كل يوم .. فيقف احيانا بالساعات على الطريق العام ..حتى يتيسر له من يحمله الى عمله ..وفي نهاية الاسبوع يسافر مباشرة من الباحة للطائف حيث زوجته وابنته المريضة .. يمر راكبا من جوار منزله ويكاد قلبه يتقطع عندما يمر بجوار بيته ولا يستطيع التوقف للاطمئنان على بقية أسرته .

ينطلق في طريقه المضني والمتعب وهو يحمل من الهم ما لايعلم به الا الله ..فلا تراه الا شارد الذهن كثير التفكير ..يتسأل عن حال ابنته المريضة هناك ..وما الذي حصل لها في غيابه ..وما ذا عسى زوجته الضعيفة ان تفعل لو استجد في الامر شيء .. ثم يتحول بفكره الى القرية والى اطفاله وأختهم الكبيرة .. ويتساءل في نفسه أهم على هيئتهم حين ودعهم.. ام حصل لهم في غيابه ما يكرهون ..فليس عجيبا ان تذهب به الافكار بعيدا في ظل انعدام وسائل الاتصال وصعوبة وسائل المواصلات ..في وقت لايكاد الرجل في القرية يمتلك أوحتى يحلم بامتلاك السيارة  ..فتلك هي أحلام الاثرياء والميسورين أوعلية القوم فقط .

يصل الى زوجته وابنته بعد سفر طويل وهو في حال من الارهاق والتعب .. وما أن يبقى معهما ليلة أو ليلتان حتى يعاود الركض والعودة الى بيته من جديد ..ليستمر على هذه الوتيرة في برنامجه الاسبوعي .ليس لشهر او شهرين بل لسنوات .

لم يكن خوف الوالدين على البيت والاولاد عند غيابهما كبيرا .. فقد خَلَفَهما فيه ابنتهم المباركة العجيبة ..فهي المتعلمة الرشيدة والفتاة الناضجة الامينة ..والتي لم تدخل مدرسة قط ومع ذلك فهي لاتكاد تترك مصحفها من يدها .. فتاة كثيرة العبادة والصلاح ..ارتبطت وجدانيا  بمصلاها في زاوية بيتها ..وفيه سجادتها ومصحفها ..لم يكن تعلمها معجزة .. فالهمة ترتقي بأصحابها الى القمة ..فتعلمت القراءة والكتابة تعلما ذاتيا . فقد كانت تنظر الى اخوتها واخواتها الصغار فتتعلم معهم .

لقد كانت للبيت نعم الخلف فقد ادارت البيت في ظل غياب والديها بكل ثقة واقتدار .. فكانت هي الاخت والام والاب .. مما زاد الوالدين  اطمئنانا وراحة في غيابهم وبعدهم عن أولادهم وبيتهم ..  ولكن طريق الابتلاء لايزال مشرعا ابوابه لهذه الاسرة . ولا زالت الاشواك تدمي أقدام السائرين .

فهاهو الاب يعود ذات مساء الى القرية كعادته ..ولكنه عندما دخل البيت ..وجد مالم يكن يتوقعه ابدا ..فما الذي وجده ؟ وأقض مضجعه وأحرمه النوم في تلك الليلة .. رغم حاجته المآسة للراحة بعد عناء ومشقة السفر  ؟

لا زال للقصة بقية
يتبع ........ 


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript