جامعة الآباء ( حوار مع العيد)


تقبل الله طاعتكم وكل عام وأنتم بخير



بسم الله الرحمن الرحيم
حوار افتقدناه 

سلام علبكم والعيد مبارك
وعلبكم السلام انتم والعيد مبارك 
عدوا تباركوا من عيدنا
لقمة على الطاير بعدها عاد عيدكم 
تعودون له من السالمين

حوار في العيد
جامعة الآباء
المادة 12101 ( دروس من العيدين )

بالأمس القريب كنت أراك ضيفا فوق العادة ، نعم كنت تقبل علينا بوجه بشوش ، ونحن نستقبلك بوجوه طلقة
، كنا أيها العيد نستعد لك من قبل ايام وليال ، الصغير والكبير الرجال والنساء ، كان الوضع العام في القرية ينبئ أن هناك حدثا ما سيحدث غداً ، الأطفال يتراقصون ويبشرون بعضهم بقولهم ( العيد بكرة ) وتضيف البنات الى ذلك ( العيد بكرة والحناني عشيا ) وكذلك النساء يرددن أيضا (ياعيد ياعواد عود علينا ، نذبح لك الخرفان حق ن علينا ) .

في العيد تجد البيئة العامة تكاد ترقص فرحاً ، فهناك من يستحق أن نصنع له البهجة والحبور ، كنا نقول : ( ليلة العيد تنعرف من عصرا ) مثل دارج يردده الآباء والأمهات
ولهم فيه معان كثيرة ومذاهب شتى .

لم نكن أيها العيد نعلم الغيب ولم نكن ممن تكهن أو ضرب الخط والودع ، ولكن فعلا كانت كل المعطيات أمامنا تقول بأن العيد غدا ، فقد اكتملت الفرحة بتجمع الأحباب ، فها هو رب الأسرة يحرص اشد الحرص على أن يَقضي أيام العيد وسط أسرته ، ليكون كالبدر بين النجوم ، الكل يريد الاستمتاع بحضوره والفوز بقربه.

كان الاب يحرص اشد الحرص على ان يحضر من مقر عمله ووظيفته رغم البعد ومشقة السفر حتى لا تحس عائلته بأنها اقل من غيرها ، فقد جاء ليؤمن لهم الضروريات مثل شِرْكة العيد وكسوته ، ومعايدة الحمايل واستقبال المعايدين ، وتأمين الأضحية في عيد الاضحى .

أشياء وأشياء أيها العيد ترتبط بك في ذاكرة الأيام ، كنا نعدها مبشرات لقدومك ، كنا أيها العيد نتحلق حول المذياع في ليلة عيد الفطر ، فما هي إلا لحظات بعد أن نسمع خبرك حتى تتغير الأرض وكأنها غير الأرض ، حيث يلبس الليل أبهى حلله ، المشاعيل تنير الارض و الفضاء ، الطراطيع ، تشق صمت وهدو الليل .

كنا نحب المغامرة واللعب بالأشياء الخطرة ، ليس لأننا متهورون ولكن لشعورنا بالأمان عندما يكون لعبنا تحت نظر وسمع أبائنا ، فقد كنا في اليوم التالي يوم العيد نفتخر أمام الأقران بان أبانا كان معنا ، وانه قد جلب لنا من سفره كذا وكذا.

كنا ننام في ليلتك أيها العيد نوما مليئا بالسعادة والحبور نترقب بزوغ فجرك ولا يوقظنا سوى رائحة دخان الشث والطباق المنبعث من الملة حيث الوالدة حفظها الله* تقني خبزة العيد.

كان أبي رحمه الله رغم بساطته يحرص على اصطحابنا معه الى المصلى ويحرص على أن نبقى بجواره حتى إذا انتهت صلاة العيد واخذ الناس يعانقون بعضهم ، بدأ رحمه الله بنا يقبلنا ويحتضننا كأنه لم يرنا منذ زمن .

كان رحمه الله تعالى في صبيحة عيد الفطر يحرص على أن نتناول تمرات وترا قبل الذهاب إلى المصلى تطبيقا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وكان يحرص على أن يأخذنا لنتناولها مع اكبر رجل في الأسرة ، وغالبا ما يكون والد الجميع العم احمد بن غازي متعه الله بالصحة والعافية* ونحمد الله تعالى أننا لا زلنا على هذا الأمر مستمرين.

كان رحمه الله يحرص دائما على أن يصطحبنا معه أثناء تجوله وزياراته ، وكان يداعبنا بان يعد نقط المرق والدهون على ملابسنا الجديدة ، والتي رسمت عليها ما يشبه الخريطة الجغرافية ، وذلك كعلامة على عدد المنازل التي زرناها وأكلنا فيها .

لم يعاتبنا أبدا على اتساخ الملابس رغم صعوبة شرائها في ذلك الوقت ، ولكنه رحمه الله كان يعتقد أن فرحة العيد أهم من كلمة عتاب قد تجرح تلك الأفراح .

كنا أيها العيد نذهب بصحبة أبينا إلى العمات والخالات وسائر القريبات ، وكان يشرفنا والدنا بأن يعطينا قبل الذهاب مبالغ العيدية ، لنقوم نحن بتوزيعها عليهن في لفتة تربوية رائعة من رجل بسيط.

أكثر من عشرين سنة وهو يقدم كل عام أضحية لابنة عمه العجوز التي كان يعدها الأخت الكبرى له دون إن يشعر الكثير من الأقارب بذلك العمل ، يشتريها مع اضحيته ويذبحها بيده ثم يقدمها لها في بيتها كاملة كما هي ،استمر على ذلك حتى ماتت رحمهم الله جميعا .

وفي عيد الأضحى أيضا كنا نتحلق حول المذياع ،وكنا نشعر بأننا مع الحجاج في كل خطواتهم ، وكان نقل خطبة عرفة ونفرة الحجيج وسماع التلبية والتهليل ، أعذب عندنا من العذوبة نفسها ، وكان والدنا يستغل كل خطوة من خطوات الحجاج ليعطينا منها درسا . فقصة إبراهيم عليه السلام وهاجر وإسماعيل لم اسمعها بتشويق وجمال في السرد أفضل من طريقة عرضه رحمه الله. 

في عيد الأضحى كان رحمه الله يمر للمعايدة في البيوت دون أن يأكل معنا ، فسألته حينها لماذا لا تأكل مثلنا ؟ فأسر إلي بان السنة ان يفطر المرء من اضحيته وانما كان سيره معنا لمعايدة الناس وزيارتهم من باب الواجب ، فوالله أنني ومنذ ذلك اليوم لم أفرط في هذه السنة .

كان رحمه الله تعالى رغم بساطته وتواضع دخله يحب أن تكون أضحيته خروفا ، لأنه رحمه الله كان يحب أن يباشر الذبح بنفسه ، وكذلك رغبته في أن يحضر الذبح جميع أفراد الأسرة ، فالاضحية لديه شعيرة اسلامية عظيمة وليست مجرد لحم يؤكل .

نعم أيها العيد ان الآباء جامعة مفتوحة فأين نحن اليوم منها ، هل فقد العيد معناه ، أم نحن الآباء الذين فقدنا معنى العيد ، وهل يليق بنا أن يمر العيد ولن أقول مرور الكرام ، فالكرام لا يمكن أن يكون مرورهم كهذا المرور الباهت ، ولكن سأقول مرور المضطر ، لان العيد مجبر على المرور بحسب دورة الأيام ، فهو يأتي في الزمن المحدد وقد ياتي في المكان المحدد أيضا ، فهناك أماكن حرمت فرحة العيد

كم هو متعب أيها العيد أن تمر على أسرة لا تجد أباها في ذلك اليوم ، واقصد التواجد بنوعيه الحسي والمعنوي ، يمتع نفسه بسعادة أسرته ، فتجده يداعب هذا ويحضن هذا ويستمع إلى هذه ويثني على هذه.

العيد أيها العيد أن نمنح الحب لمن يستحق حبننا ، فالعيد درس مهم من سلسلة دروس في حياتنا ، يجب أن يستوعبه الأبناء ليورثوه للأحفاد لتستمر الحياة نقية ، فالقيم أمانة يجب أن نمارسها لنكون قدوة حسنة لمن خلفنا . ولكن ألا ترون انه وفي زحمة هذه الحياة ، ووسط المشاغل التي ندعيها ، أن نخصص أياما في السنة أو على الأقل يومي العيدين او احدهما لنكون ملكاً لأسرنا ، وندع لهم قيادتنا ولو لساعات ؟!

* لتوضيح سر الرقم فهو يجمع تاريخ العيدين 10/1 و 12/10 فـ 10 رقم مشترك فكتب مرة واحدة .

علي بن سعد الزهراني / جدة 11/12/1429هـ 

* كتب المقال في حياتهم قبل وفاتهم رحمهم الله .
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript