حصاد في الفضاء

 حصاد في الفضاء  



بسم الله الرحمن الرحيم 

يقول الله تعالى في كتابه الكريم : 

"كغيث اعجب الكفار نباته" اي كمطر انزله الله سبحانه وتعالى على الارض لينبت به الزرع الذي كفره الزراع اي خبأه المزارعون تحت الارض ليحصدوه بعد حين .

عندما يزرع الفلاح ارضه ثم يحصد ما زرع في الارض نفسها فهذا امر طبيعي ولا جدال فيه ، وان يبذر بذرته في جبل فانه حتما سيحصد ما بذر في ذات الجبل ، ومن يزرع خيرا في حياته ويبذر بذرة طيبة في قلوب وافئدة وارواح الناس فمن الطبيعي ان يحصد ثمرة زرعه في ارض غير الارض ، في مكان اعده الله للقيامة لتجزى فيه كل نفس ما عملت ، فمن بذر خيرا حصد خيرا ، ومن بذر غير ذلك حصد ما جنته يداه .

 ولكن ان يزرع الزارع زرعه في الارض ثم يحصده في مكان بين الارض والسماء ، فان هذا ما يعد امرا غير طبيعي ، وكأن اساطير بساط الريح عادت من جديد بعد ان طواها الزمن وغيبتها الاحداث ، يعد امرا نادرا لان الثمرة قد ترتفع الى هناك دون وجود المزارع الذي بذرها ليمتع نظره ويبهج فؤاده برؤيتها في وقت نضجها ، فالنادر هنا ان يلتقي المزارع بثمرته في المكان النادر .

فكم من زروع زرعها الانسان في ارضه  فاتت اكلها واخرجت ثمارها واينعت ، ولعل اهم زرع يزرع ويرجى حصاده المبارك هو زراعة الانسان للانسان على نور من الله ، والقيام برعايته حتى يصبح فاعلا في مجتمعه ، حينها يكون قد ادى الامانة وحق له ان يعجب بنباته وثماره ،

ما اجمل لحظات السعادة التي تخرج عفوية من ابوين يلمسان باعينهما وايديهما وكل جوارحهما اولائك الابناء والبنات وقد وصلوا لقمة المجد ، واصبحوا فاعلين في مجتمعهم   بعد ان لمسوا بانفسهم تلك البذرة وقد اصبحت ثمرة تنتظر القطاف ، اما معلما اوطبيبا او مهندسا او قانونيا او غير ذلك من الثمار المهنية الطيبة اليانعة . 

ذات يوم وفي رحلة طيران تابعة لشركة اجنبية بين مدينتين داخليتين في احدى الدول كنت ضمن ركاب تلك الرحلة حين سمعت المنادي يذكر اسم كابتن الرحلة الذي لم يكن سوى احد ابناء وطني ، فهل احدثكم عن كم الفخر الذي انتابني وقتها ام احدث عن شكر الدنيا كلها لتذوقها لثمار بذورنا المتميزة من شباب فاعل يعتمد عليه في كل مناحي الحياة في كل اصقاع الارض ، فابهروا العالم بجودة لا تقبل المنافسة ، فكيف لو كان ذلك الكابتن هو ابني او ابن اخي او ابن وطني الحبيب ، انه ولا شك فخر بتلك القامات التي حق لها ان ترتفع بها الهامات .

واليوم شدني ذلك الموقف المفاجئ والذي اكاد اجزم وبالدليل ان اخانا المهندس عبيدي بن سعيد وزوجته لم يكونا على علم بما اعده لهما ابنهما البار الكابتن عادل من مفاجأة ، والا لما خرجت لنا تلك العبرة المخنوقة من ابيه وتلك الكلمات الصادقة والنبرة المتفاجئة التي لا تقبل الشك من امه ، حتى وان علما بما أعد لهما قبل الصعود للطائرة فان هذا لا يقلل من  روعة الموقف ، فالهدف قطف الثمرة بطريقة مبهرة وفي مكان لا يصل اليه الا  القلة ، فكان لهم ذلك .

هكذا هم الابناء يا ابا عادل وهكذا هي الثمرات اليانعات يحبون ان يصنعوا لنا ما يبرد تعب السنين ، ويذيب عناء الطريق ، ليسعدوا الارواح ويفرحوا القلوب .

لقد اختار لكما عادل حفظه الله ووفقه لكل خير مكانا نادرا وبطريقة نادرة لتقطفا فيه ثمرة جهدكما وسهركما ، فان ابت ثمار الزّرّاع الا ان تقطف في مكانها الطبيعي على الارض ، فان عادل ثمرة مختلفة ، احب ان يرى فرحتكما به ليس في مكان تربيته ورعايته والاهتمام به ، بل في مكان لا يشارككما فيه احد فكان له ما اراد (حصاد في الفضاء )

علي سعد الزهراني 

الأطاولة 1443/2/1هـ

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript