رجال من الحكمان
لعل من تقدير الله لي و لهؤلاء الرجال الأفذاذ ان اكتب فيهم ولهم في مكان لم اكتب فيه من قبل ، ، فلقدرهم العالي كتبت هذا المقال في الفضاء خلال ساعتين هي زمن رحلة الطائرة من القاهرة الى جدة ، ولعل من جميل الاقدار ان لا اتذكر هذا اليوم ــ الذي اكتب فيه كل عام واستعد له من وقت مبكر ــ الا في صالة مطار القاهرة لتكون الكتابة عن هؤلاء العظماء ذوي القدر العالي في مكان عال يتناسب مع قدرهم و يلامس هاماتهم .
الحكمان
ولأهلها من اسم قريتهم نصيب ، فهم اهل حكمة وكرم وعلم وادب ، وهم لاهل الأطاولة اهل رحم ونسب وجيرة وصداقة .
اتذكر وذهني يضرب في اعماق الطفولة والدتنا نورة الحفاشية رحمها الله ، كنا نلعب بقرب بيتها واذا عطشنا ندخل عليه لنشرب الماء دون استئذان وفي اخر النهار تدعونا لتقدم لنا التمر وما تجود به يديها ، نورة الحفاشية هي ام العثمان اسرة بيت مشيخة قبيلة قريش .
وفي الجانب الاخر هناك زوجة الشيخ علي بن سعد بن زنان امها من أسرة العثمان تزوجت بعد موته بالطاحسي من المندق وهي اخت العم أحمد بن غازي من أمه رحمهم الله جميعا ، فالقريتين ارحام وعوان والحكمان والاطاولة في الاصل يكادا ان يكونا قرية واحدة فكما اخبرني استاذي الفاضل ابراهيم بن سعيد الزهراني ذات يوم ان الاسم الجامع لهما هو وادي الغيلان ، ويذكر عن امنا نورة الحفاشية رحمها الله مقولة خالدة : "كنت احمل قربتي واسقي اهلي وعيالي" وذلك حين نزغ الشيطان بينهما ، وتقصد بذلك ان رجال الحكمان اهلها ورجال الاطاولة عيالها فرحمها الله وجزاها بصبرها في تلك المواقف الحرجة المحرجة بالجنة .
لن اتطرق للكثير من رجال الحكمان وهم يستحقون ذاك وأكثر ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، وساذكر فقط من كان لي معهم مواقف اثبتت لي طيب اصلهم ومعدنهم وكرمهم وحبهم للعمل ، ولغيري من رجال الاطاولة بالتأكيد مايفوق تجربتي مع اهلنا في الحكمان .
استاذنا الفاضل الشيخ / جمعان ابو حفاش
تتلمذت في المرحلة المتوسطة على استاذين فاضلين استفدت منهما في حياتي العملية كثيرا ، فاسلوب الأستاذ جمعان الذي كان يشدنا به لدرسة نفذته بحذافيره وانا بين طلابي ، والشيخ جمعان كان يسكن الاطاولة في اوائل فترة عمله ، ومرات ومرات كان يؤمن يوم الجمعة في الجامع القديم وكذلك كان يؤمنا في مسجد الزاوية بحينا في الوادي الشرقي من الاطاولة وكم كنا نحب الصلاة خلفه ، فصوته بالقرآن جميل جدا لا تكاد تمل الاستماع اليه ولو اطال الصلاة لساعات .
نشأ ابناؤه وترعرعوا بيننا وكنا اخوانا واكثر ، فكم لعبنا وانِسنا مع بعضنا حتى كنا كاخوة في أسرة واحدة .
أستاذنا / أحمد بن محمد الزهراني مدير مكتب اشراف مدارس زهران رحمه الله والذي كان يسعى جاهدا لتحويله الى ادارة تعليم مستقلة ، كنا نكبر اخلاقه وتواضعه ونحن صغار اذ كان يبدأونا بالسلام وهو يقود سيارته وكان من اوائل حديثي الاستثمار في سوق الربوع حين انشأ مع الشيخ جابر رحمهم الله اول محطة للبنزين في الاطاولة كانت مكان بيت محمد بن الحسين رحمه الله مقابل الوادي التراثي شمالا .
استاذنا ابراهيم بن سعيد الزهراني ادين له بالفضل بعشقي للغة العربيه رغم اني لم اتخصص فيها ، حببني في مادة التعبير وقد كان لي مع هذا الامر قصة ، الاستاذ ابراهيم شرفت به معلما ثم مشرفا تربويا كنت احد المعلمين الذين شرفوا بكونه مشرفهم فقد زارني كمشرف مادة لاعوام كثيرة
ولقصتي مع التعبير واستاذي ابراهيم هذه القصة ، فعندما كنت طالبا في المرحلة المتوسطة خرج المعلمون والعاملون وبعض الطلاب في رحلة مدرسية ، حزنت لانني لم اكن معهم رغم ان والدي رحمه الله كان من ضمن فريق الرحلة ، لم يحب ان ياخذني معه رغم انه يستطيع دفع سهمي مع سهمه ولكنه تحجج بعذر وجيه حيث قال : قد يفهم الاخرون من زملائك بانني اخذتك دون مقابل .
في اليوم الثاني وقف الاستاذ ابراهيم في حصة التعبير يطلب ممن شارك في الرحلة وصفا لها ، فكتب كل منا ما جال بخاطره ، تفاجأ الاستاذ من تعبيري عندما قرأه ثم التفت الي وقال : انت لم تكن معنا فكيف وصفت الرحلة بهذا الوصف الدقيق ، قلت : اخبرني ابي مشافهة فصغتها باسلوبي في دفتري ، ثم قال : هنا جملة لفتت انتباهي فكيف اتيت بها ؟ قلت : وماهي قال : وانطلقت بنا السيارة ترفعها النجاد وتخفضها الوهاد ، اتعرف ما هي النجاد والوهاد ؟ ، قلت : نعم فهذه الجملة سمعتها منك ذات مرة ولم تزل تتردد في ذهني ولم تغب عني فوظفتها هنا .
كانت تلك الحصة مختلفة تماما ففيها ولد حبي للتعبير والكتابة فقد اكمل الحصة حفظه الله بالاشادة بما كتبت رغم اني لم احضر الرحلة .
الأستاذ / علي بن محمد القاضي
والمعروف بـ علي ابو كيلة فمعه كانت انطلاقتي في الانشطة المدرسية فكنا بهمته وحرصة ومتابعته نحصد الكؤوس والدروع وشهادات الشكر والتقدير لسنوات
ولي معه مواقف عجيبة
كنت عضوا ومشرفا مسرحيا بنادي زهران بالاطاولة فرايت مع الاستاذ سالم شهوان رحمه الله تعميما من ادارة التعليم بخصوص مسرح الطفل
استغربت ان التعميم لم يصل مدرستنا والاستاذ سالم كان ايضا مشرفا ثقافبا في مدرسة المشارق الابتدائية والمتوسطة انذاك ، ولكن اذا عرف السبب بطل العجب. كان البرنامح مخصص للمدارس المشتركة والمدارس الكبيرة ولم تكن مدرستنا مدرسة المكاتيم الابتدائية منها لقلة عدد طلابها فعرضت الفكرة على الاستاذ علي فقرر فورا المشاركة ولو داخل المدرسة وليس بالضرورة ان نكون داخل المسابقة فتم تدريب الطلاب
وبعد تنفيذ الحفل اخذ النصوص بعد ان نسقها في ملف وذهب ليعرضها على القسم المسرحي في الادارة مما جعل المشرف عليها ياتي للمدرسة ويطلب ان يقوم الطلاب من جديد بعمل الحفل فما كان من الاستاذ علي الا ان قال له انتم تستصغرون المدارس القليلة العدد وما تعلمون ان الابداع قد يكون فيها فكان تعميم البرنامج في السنوات اللاحقة على كل المدارس لنفوز مسرحيا بالمركز الاول على مدارس المنطقة ولسنوات متتابعة .
كان يحضر حفلات القطاعات ليقيم اعمالهم مع عمل طلابه ليضمن ان الفوز قد ذهب للاجدر حتى لا يهضم حق طلابه
لم يكن منه هذا الامر فقط ففي نهاية احدى الاعوام الدراسيه احب ان يكرم معلميه بشهادات من ادارة التعليم وعندما لم يجد سوى تعميم وليس شهادات عاد اليهم والح في الطلب ليعتذروا له بانه لم يكن لديهم شهادات فما كان منه الا ان ذهب ليشتري شهادات فارغة ثم اعطاهم ووعدوه ان يكتبوها ويرسلوها فاصر ان تكتب بوجوده ثم حملها بنفسه لمدير التعليم ليوقعها .
كان الاستاذ علي رمزا تربويا نادرا وايقونه فارقة في الادارة المدرسية فقد كان اذا حضر مشرفوا المواد يستاذن لهم من المعلم فان اذن لهم والا اعتذر للمشرف وطلب زيارته في وقت لاحق فزميله المعلم ليس مستعدا نفسيا ومهنيا ذلك اليوم فكم من مشرف مادة لم يتجاوز حضوره مكتب المدير .
كان يضع لكل معلم ملف خاص ثم يخبره بان هذا ملفك وعليك بملئه بكل ايجابية ففي اخر العام ان لم يكن لك اسم بين زملائك المكرمين فلا تلم الا نفسك
الأستاذ / عبدالله بن مسفّر أبو حفاش
معلم من نوع اخر فتعليمه قد تجاوز طلابه الى زملائه فقد علمنا السخاء والطيبة وحسن التعامل في المواقف كان كثيرا ما تحل على يده المشكلات .
رجل لا تكفيه كلمات الثناء والشكر فكم من الرجال عرفت ولكن كابي سعيد في كرمه ونبله لم اعرف ، وهذه قصة له مع احد زملائه لم انسها رغم مرور السنوات .
كان لدى ذلك الزميل سيارة من نوع جمس كلما ادخلها ورشة اعادها لاخرى بعد ايام ، فقال له لدي قطعة غيار جديده اصلية بصندوقها لم تستعمل اصلا تصلح لمشكلة سيارتك تعال خذه وركبها في سيارتك فان صلحت فالحمد لله ولن نختلف في السعر وان لم تصلح اعدها في مكانها ، اخذ صاحبه ذلك الصندوق وضبطت الامور ، فقال له هل ضبط؟ قال الحمد لله فاخبرني عن قيمته وهو يعرف ان القيمة 12000 ريال فلم يرد عليه الا بقوله الله يعطيك خيره ويصرف عنك شره والله ما اخذ فيه ريال وما عد ينزل من السيارة الا اذا لم يصلح ، الله اكبر اي درس قدمته يا ابا سعيد ليس لطلابك بل لزملائك ، لم يكن همك مالا لان لديك ما هو اغلى .
هولاء هم رجال الحكمان ، رجال تقف امامهم المواقف العظيمة خجلا وتنزوي امام رؤاهم وحنكتهم وحكمتهم كل التوافه والترهات .
وانت تقرأ اخي الكريم لتعلم ان هولاء نماذج مررت بها لوحدي فكيف بغيري وغيرهم ، فالحكمان منجم للرجال فوالله ما اقول هذا تزلفا ولا لمصلحة ، فهم اغنى واكبر واجل من ان امتدحهم ببضع كلمات لا ترقى ابدا لمنزلتهم العالية الغالية .
ايتوني برجال كرجال الحكمان وخذوا مني ما تريدون ، فوالله لو لم اكن من الأطاولة لوددت ان اكون رجلا من الحكمان .
علي بن سعد الزهراني
الثلاثاء 28 / 2 / 1443 هـ
كتب هذا المقال بمناسبة يوم المعلم العالمي على متن طائرة بين القاهرة وجدة .
سلمت يداك أبا عبدالله .. أنعم وأكرم بمن ذكرت وأنت نعم المستفيد وصاحب مواقف وخبره وفكر نيّر . أسعدتنا بهذه الخواطر البسيطة في الطرح الحاملة من درر المواقف.
ردحذفاخوك - عيدالزهراني أبو حمزة
ماشاء الله تبارك الله يا أستاذ علي أنعم وأكرم اسلوب سهل وسلس مع ضيق الوقت من القاهره إلى جده عملت مدونه رائعه كروعتك فيها من التاريخ وتجارب من بذل جهد واهدانا خلاصة جهده وعمله لكي يفتح لنا آفاق العلم والمعرفه شكرآ لك قليل من مثلك يتذكر ويشكر وهذا من طيب معدنك ونقاء سريرتك ورقيك كثر الله أمثالك تطرقة لمواضيع شتى ولخصتها بطريقتك الجميله في الوصف اعجبني بكل تجرد ما ذكرته عن الماضي أيام الجهل ولكن أول مره اسمع عن وادي الغيلان معلومه جميله جدآ واعجبتني وأتمنى على الجيل الحالي دعم هذه التسميه وهم بالفعل بدأو وأصبح هنآك أنساب وأصحاب وقرابه وتزاوج ونسأل الله أن يحفظ لنآ ديننا وحكامنا وآسف على الإطالة ولكن الموضوع شيق وشديتنابطريقة عرضك للموضوع بارك الله في علمك وعملك وإلى مزيد من المدونات او التدوين شكرآ بحجم السماء.
ردحذف