ضيف الغتامية

ما أن أسفرت الأرض بنور ربها ذات صباح حتى شاهد أهل القرية منظرا أذهلهم واستنفرهم ، فتسابق القوم تجاهه لعلهم يستكشفون الأمر .

 بسم الله الرحمن الرحيم 

ضيف الغتامية 

قصة حقيقية حدثت لرجل من الأطاولة قبل أكثر من 80 عاما .

ملاحظة قبل البدء 

نسخ القصة او غيرها من مواضيع المدونة ونشرها بدون رابطها الاصلي يفقدها الكثير من اهدافها لأن النسخ يتم للكلمات دون الصور المرفقة والفديوهات التوضيحيه فيظهر الموضوع ناقصا ، لذا لانسمح او نبيح من ينسخ اي موضوع من المدونة مع اعتذارنا الشديد وشكرنا الجزيل لتفهم القارئ الكريم لوجهة نظرنا .

أناخ جمله بأطراف سوق الربوع ، كان قادما من بني مالك للتسوق ، وما أن أنزل حمول جمله وذهب لبعض شأنه حتى نهض الجمل وغادر المكان .

فإلى أين أيها الجمل ؟ ! ءارغبة منك في تغيير المكان أم انه الحنين لمكان انت تعرفه ، فخالط اريجه انفاسك لقربه منك ؟ فما الذي تخفيه ، والى اين المسير ؟ 

عاد صاحبه للمكان الذي تركه فيه فلم يجده ، ولكنه عرف وجهته فتبعه ، فما أجمل أن تسود لغة التفاهم بين الأنسان ودآبته ، فقد انطلق الجمل وهو بالتأكيد يعرف هدفه ، فوصل لاحد البيوت داخل الأطاولة هو بيت صاحبه القديم .

الجمل يعرف أن صاحبه قد مات ولكنه الحنين الذي قاده الى هناك ، خرج اهل البيت ليشاهدوا ذلك الجمل وقد  أناخ نفسه في مكانه المعتاد وكأنه ينتظر وجبة الصباح من يد صاحبه كعادته ، ويتحسس مسحة يده الحانية على جسده .

اقبل اليه اهل البيت محتفين به ومقدرين خطوته ووفائه فاكرموه بما يستحق من مشاعر وطعام وشراب .

وماهي الا ساعة من الزمن حتى أقبل صاحبه الجديد ، وبعد استضافة من أهل البيت لم تخل من حديث عن اسرار ذلك الجمل الوفي ، امسك بخطام جمله وعاد من حيث اتى .

كانت الطريق طويله والحداء لا يكاد ينقطع ، وكأن صاحبه يقول في نفسه : لعل في الحداء تسلية لهذا الجمل ، فقد شعر صاحبه بلوعته وحزنه وتوجده على صاحب كريم ، احب جمله وتفنن في الاهتمام به .

لم تعد تلك الاصوات التي يحدو بها الركب ملفته ومنشطة لذلك الجمل ، فلو ان صاحبه الجديد نظر الى الأعلى لرأى دموعا كالمطر تسيل من عيني جمله .

وفي احدى الوقفات في الطريق نظر ذلك الجمّال الى جمله وقال في نفسه : اي حزن تحمله واي وفاء تتدثر به ، ارسل تنهيدة عميقة خرج معها بعض كلمات ، اااااه ليتني استطيع ان انسيك صاحبك .

ذهب بذهنه الى لحظة وصوله عندما استقبله اهل ذلك البيت واصروا ان يضيفوه ، وقبل ان يأخذ جمله وفي تلك الجلسة اخبروه بسر تلك الزيارة من جمله لبيتهم .

يظن بعض الناس ان الحيوانات او بالاصح الحلال كما يسميه الناس والتي تعيش بينهم لسنوات انه لا مشاعر لها ، فتهون عليهم تلك العشرة ، وهناك قصص كثيرة لحيوانات بيعت ثم عادت لاصحابها ، وهي لا تعلم بأنها اصبحت ملكا للغير .

مصاب هذا الجمل يكمن في أن صاحبه وحبيبه قد مات ، ولا حاجة للأسرة ببقائه معهم فتم بيعه انذاك ، ففقد الصديق الرفيق ومن كان يفهمه دون عرض حال او طلب منال . 

نعم بيع جسدا ولكن قلبه وروحه ومشاعره لا زالت في بيته القديم الذي لقي فيه كل حب واهتمام ومراعاه . ان كثير من هذه العجماوات ان لم تكن كلها ، هي ذات وفاء قد يندر في بني الانسان .

واصل اهل البيت سرد قصة جملهم لضيفهم وكله اذان صاغية لتلك الحكاية العجيبة الغريبة والتي تعد لولا سلسلة سندها الذهبية لصنفت من قصص الخيال والاساطير  .

ذات يوم وصل خبر موت أخت صاحب الجمل والتي تسكن وزوجها قرية الغتامية بوادي بيده .

قرب جمله وشد عليه جالوق من التمر وهو التمر المحشو في كيس كبير من القماش او الخيش او الخصف ذي شكل مكعب ووزن كبير قد يعجز عن حمله الرجل الواحد او الرجلين .

 انطلقا في طريق جبلي وعر ومتعرج ينخفض تارة ويعلو اخرى وما ان وصلا هناك حتى أناخ جمله بجوار المقبرة والناس قد تجمعوا لحضور دفن اخته رحمها الله والعزاء فيها .

انزل الحمل وجعل الناس ياكلون منه ويرفعون أكفهم لربهم بالرحمة للميته والشكر لاخيها الذي كان بارا بها مواصلا اياها في حياتها ومماتها .

لم تكن تلك الرحلة الى الغتامية لهذا الجمل هي الاولى بالتاكيد فقد حفظ الجمل الطريق بين المكانين والبيتين . 

مرت السنوات وذلك الجمل لا يكاد يفترق عن صاحبه ، وكعادة الجمالة ان يسيروا في قافلة اتفق ومجموعة من جماعته للنزول لتربه فقد حان موسم حصاد التمر فلعلهم يصيبوا نصيبا منه ليعودوا به لاهلهم زادا وتجارة .

وفي الطريق شعر بالم في بطنه فاعتذر من صحبه عن مواصلة السير معهم وذلك ليعود لبيته .

لم يرغب في ان يعود احدهم  معه او ان يؤجلوا سفرهم  فهو يعرف جيدا معاناة السفر ثم انه لم يكن يشعر بان في الامر ضرورة فعاد على ظهر جمله لوحده .

ودعهم وعاد من طريقه وبعد ان قطع مفازة ليست بالقليلة ازداد عليه المرض فخاف ان يسقط من على جمله ، فما كان منه الا ان اوثق نفسه على الرحل بحبال فسار الجمل في طريقه .

استشعر الجمل ان صاحبه قد اسلم روحه ، فقرر اختصار الطريق ، فما ان وصل قبيل الفجر الى قرية الغتامية حيث ترقد اخت صاحبه حتى اتجه الى مقبرة القرية ، وعند قبرها برك وكأنه يقول هنا يجدر بك ان تدفن ، استطيع حملك الى اسرتك ولكن لك هنا لحم ودم فمن كنت تصلها في هذا المكان البعيد وهي على قيد الحياة فلتكن بجوارها ميتا كما كنت تصلها حيا ، فلعلكما تأنسان ببعضكما في هذا المكان البعيد عن الاهل والاحباب .

وما ان انبلج النور واسفرت الارض حتى تداعى اهل القرية لمنظر غريب تحققوا منه فاذا به جمل قد ربض وسط المقبرة وعلى ظهره حمل لا يكاد يميزه احد .

انطلق اهل القرية الى المقبرة ليجدوا امرا عجبا ، رجلا ميت وقد ربط باحكام على ظهر الجمل .

وعند التحقق منه عرفه اهل القرية ، انه رحيمهم احمد بن غرسان (حوقان) الجمال رحمه الله ، فقاموا بنقله لبيت اخته المتوفاة قبل سنوات ليقوموا بتغسيله وتكفينه ومن ثم دفنه .

انطلق الجمل يطوي جبل العرابة ووادي الهضيم فالتوالب والمهلل ليصل الى بيت صاحبه وهو يهدر بصوت حزين وكانه يخبر اهل البيت بفقد صاحبه .

خرج اهل البيت وهم في حال ذهول ، اذا كيف يعود الجمل دون صاحبه وفي وقت غير متوقع .

لم تطل بهم الحيرة ، فقد اقبل اليهم رجل من اهل الغتامية يخبرهم الحكاية .

بعد سنوات من ذلك الحدث وبعد ان توفرت وسائل النقل ، شاهد اهل الغتامية ثلاثة رجال يتنقلون داخل المقبرة .

اقبل اليهم احد شيوخهم الكبار في السن والقدر  مستوضحا الخبر  ، فاجابوه نحن اتينا لزيارة ضيفكم .

رحب بهم واخذهم الى جانب من المقبرة ، واشار الى مكان في القرية ، وقال : كانه الان امام ناظري وانا طفل صغير ارعى البهم في هذا المكان ، وانظر لبياض بشرته من هنا وبوضوح تام ، وهم يغسلونه امام البيت فرحم الله والدكم الكريم ابن الكرام ، ضيفنا البار ابو البررة الاوفياء .

المهندس رجب بن احمد حوقان في زيارته لقبر أبيه

نموذج من العلاقة بين الانسان والابل

ارجو من اخوتي  تزويدي بما لديهم من قصص الاباء والاجداد  والتي تستحق التوثيق

على واتس 0555777580

علي بن سعد الزهراني 

ابها .. 1443/8/4




TAG

هناك تعليق واحد

  1. الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته

    ردحذف

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript