خضير وصميعة


( خُضَير وصُمَيعة )

قصة تغلب عليها الطرفة والخيال

بسم الله الرحمن الرحيم

اهداء

    لأخي وصديقي الأديب الأريب الأستاذ الحبيب اللبيب حسن بن محمد الزهراني 

     أهنئك اولا بانتهاء ونجاح ملتقى الرواية العربية والذي نظمه النادي الأدبي بالباحة فمن حق نفسك عليك ان تنال قسطا من الراحة بعد ركضك المحموم في دهاليز الادب ومن حقك علينا ان نزور متكأك في شعب صميعة لتكون هذه المرة قارئا لا ساردا .

 أخي حسن .. فضلا وان شئت امرا ، رد الينا بضاعتنا ولتهنك صميعة 

اعلم جيدا بانك لا تؤمن بقضية سقية الشعراء وانا كذلك اما من يرتجل قصيدة معلقة او اشبه بالمعلقة سواء كانت فصيحة او عامية وهو قد لايعرف القراءة والكتابة فاظنك تتفق معي ان الجن لهم دور كبير وما قصص وادي عبقر والشيصبان عنك بخافية ، اما قصتنا هذه فهي للطرافة والترويح عن النفس ليس الا .

مقدمة

هذه المقدمة لابد منها ليس لاثبات شجاعتنا او تهورنا ايام الطفولة وليست انكارا لوجود الجن فقد كنا نجوب الديار يوم لم يكن هناك كهرباء فنسري في ظلام دامس رغم قصص الرعب التي نسمعها من اهلنا فقصة انحن عجالا بجالا ياويلكم من همة ورانا والكلب الاسود الذي كان يسير في طرقات القرية ليلا وينشد : سميتني سودان وانا احمد احمد الاعب الصبيان في مزرع السد والنمنم والسعليه قصص كفيلة بان تجعلنا احلاس بيوتنا لكن احببت ان اورد المقدمة لعلاقتها باحداث الرواية وما اريد ان اقوله لك وللقراء الكرام هو ان خضير الجني وعائلته قد خُطفوا من دارنا وغادروا قبل ولادتي بخمسين عام تقريبا بحسب اخر قصة مرعبة حصلت في شعب خضير فهل ارتحلت او خطفت صميعة ايضا من شعبها ام انها لازالت تنحت القوافي وتقدمها غضة طرية لجارها المبدع ؟ ، هذا ما سنعرفه في ثنايا الحكاية  وما دام الامر خيالا فالخيال لا حكم له ، لذلك اقول في مقدمتي : 

قبل خمسين عاما تقريبا كنت في الصف الاول المتوسط حينها كان من يصل هذه المرحلة يجد في نفسه همة كبيرة واحساس بانه اصبح رجلا يستطيع مقارعة الخطوب ــ كيف لا وهم اعتبارا من الصف الرابع يكلفهم الاباء بكتابة الرسائل والمبايعات ــ واكبر كارثة عليه حين يرسله اهله في الليل ويقول ( ما اسكن ) عبارة دارجه على السن من اراد التهرب ، اي اخاف غوايل الطريق فيجيب بابشروا حماسا منه ولإثبات وجود حتى وان كان احيانا مكرها أخاك لا بطل . 

كان والدي رحمه الله وصديقه المقرب جدا الاخ الحبيب ابو نواف حفظه الله وامده بالصحة والعافية سعيد بن الحسين العثمان يتسامران ويحكيان من قصص الجن وان شعب خضير المجاور لبيتنا مسكون بالجن وان "المعمرة" بفتح الميمين والراء وتسكين العين وهي قطعة ارض في جانب ذلك الشعب كانت مسرحا لقصة احد ابناء العمومة مع الجن (هكذا كانوا يقولون ) حكاية لم اصدقها الى يومنا هذا .   

 لا ادري لماذا دخلت تحديا معهما بان الجن لا يعيشون في هذا المكان فانا اعرفه جيدا فهو مكان مؤنس مستأنس ، طلبا مني ان اذهب الى المعمرة ليلا واقف بمنتصفها واضيء كشافا اعطي لي لاضيئه باتجاه البيت عندما اصل الهدف .

كان الظلام دامسا فقد تجاوز الوقت منتصف الليل وقد أطفئت كهرباء القرية بحسب النظام في ذلك الوقت .

رحم الله امي فبعد ان عجزت عن كسر ارادتي والتأثير على والدي وصديقة اصرت ان تتبعني وتتحدث الي بصوت مسموع حتى رجوتها ان لا تتجاوز بطن الوادي حتى لا أخسر الرهان فبقيت واقفة ولكنها كانت تؤنسني بصوتها المستمر .

وصلت المعمرة وأضأت الكشاف ، ولم يخطفني الجن ، عدت لاثبت لهما انه لا يوجد جن في ذلك المكان فانا اذاكر دروسي وارعى غنمي  في أعماق ذلك الشعب كل يوم فكيف اخافه وقد اصبح صديقا مخلصا ومكانا امنا ، ولذلك قبلت التحدي  .

 كنت اتساءل فعلا : اين ذهب خضير واسرته ان كانوا حقيقة ؟ ، ولم لم يعد هذا المكان سكنا لهم ؟ الى ان سمعت بصميعة وشعبها الذي ابتنى في اطرافه شاعرنا وحبيبنا الاستاذ حسن بن محمد الزهراني بيتا وسكنه فعرفت سر الحكاية .

              لقطة من الجزء الأول من الحكاية

   في السوق رأت بائعا من بني جنسها وامامه بضاعة غريبة لم تتمالك نفسها حين رأتها الا ان ضحكت وقهقهت حتى كادت اركان السوق ان تنهدم .

غدا .. وهنا إن شآء الله 

انتظروا الجزء الأول من الحكاية

        تم النشر يوم الثلاثاء 1442/12/10هـ

    .................................................................

                  خضير وصميعة 

                 بين الحقيقة والخيال

                   قصة حب مجنونة

                       الجزء الاول

تنويه 

في الفقرتين القادمتين والتي وضِعت بين قوسين ذُكر بها مفردات يصعب فهمها على من هو اقل من خمسين عاما حتى ولو انه من أبناء أوبنات المنطقة ، فعلى من اراد فهمها سؤال كبار السن في اسرته . 

والان إلى القصة 

(صميعة جنية انيقة جميلة لطيفة ، ولولا صمعتها التي كانت تداريها باطراف شيلتها ومسفعها  ، لحازت لقب ملكة جمال الجنيات ، تمنطقت بجزء من حوكتها وتدهنت ببقية شحمة من بقايا حُدرة قد زهمت ، كانت معلقة في زافر البيت منذ سنوات .



 تكحلت من بقايا كعمور متفحم جاثم على حرنان ملتها ، تصمدت  ووضعت زمامها في انفها وخرصها في خصلة شعر متدليه من رأسها فهي لا اذن لها تعلق بها اخراصها ، وزنت عكافتها وتعطرت بخليط من عطور ذلك الوقت مثل ابو حنش وابو طير وحبشوش ، ثم امسكت بغلقتها وانطلقت من اعالي جبال القسمة من شمال قبيلة قريش كالريح ، وبتكسر واضح وفي خطوتين مليئتين خفة ولطافة  وبشكل متعرج وضعت قدمها الاولى غرب قلعة بخروش في قرية الحسن  والاخرى في شرق قرية الثراوين ثم جمعت قدميها وقفزت لتضعهما معا وسط سوق الربوع .

هبطت السوق للتبضع وشراء ما يلزمها من حاجات ، تحمل معها ما خف حمله وغلا ثمنه وجمل منظره ، كانت تُسَوِق لبضاعتها والتي اغلبها من النباتات العطرية كالشيح والشيعة والضرم والبعيثران ، وما ان وصلت حتى بدأت تنشد وتغني : غراز مريم ياغراز الصبايا ليتك معي في البيت واسقيك مايا )

لمحت وهي تتنقل بين اركان السوق ــ اثناء البحث عن مكان مميز تعرض فيه بضاعتها ــ واحدا من بني جنسها يدخل السوق لتوه و يحمل بين يديه وعلى ظهره اشياء غريبه ويجر خلفه حزمة كبيرة بحبل طويل ماهو اشد غرابه ، لم ترق لها تلك البضاعة ، اقتربت منه واشارت لما يحمل باشمئزاز واستنكار ثم انفجرت ضاحكة حتى كادت اركان السوق ان تنهدم من قوة قهقهتها

نظرت  الى ذلك الجني والى بضاعته الغريبة قائلة له بتهكم واستهزاء : اتريد بيع الحشائش وجذور النباتات ؟ واين ؟! ءافي هذا السوق بالذات ؟! ءافي سوق ربوع قريش ايها الاهبل ، اما تعلم ان رواده من المتسوقين والباعة يقدمون من تخوم تهامة واطراف نجد واقاصي الجنوب ، ءانسيت مكانه ومكانته عند القبائل وبين أسواقهم  وعابري الطريق منذ مئات السنين ، اتريد ان يسخر منا القريب والبعيد ؟  من يشتري منك هذه البضاعة أيها الاحمق ؟ قال لها : التجارة ذكاء والتسويق لها هو مفتاح الكسب ، هزت رأسها وقالت : اتُوهم نفسك بأنك ذكي ؟ وانك قد اتيت بما لم يستطعه الاوائلُ ؟ ههههه لا اظنك من الجن ابدا ، حتى وان كنت منا فسنتبرأ منك لا محالة ، فالانس حين يمدحون احدهم يقولون : فلان اذكى من الجن ، وكانهم يشيرون لذكائنا اكثر من ذكائهم ، ولكن يالحسرتنا وانت تسيء لنا وتثبت لهم غباءً ليس من طبعنا .

نظر اليها مبتسما وقال : ومن قال لك ايتها الجميلة انني لست بذكي ، نعم انا ذكي واذكى مما تتخيلين ، وهذه البضاعة التي تحقرينها ساجعل منها اغلى بضاعة في السوق ،  فان قدر لك العودة والمرور من جواري ستجدين بضاعتنا دون شك وقد بيعت كلها وباثمان باهضة .

التفتت اليه وقالت : تقول بضاعتنا بضاعتنا ولا ارى معك احد ثم ان في هذا السوق وفي غيره وفي اي مكان لا احد يرانا من الانس الا عندما نتشكل لهم بغير حقيقتنا فكيف تبيع بضاعتك اذن ؟! 

ابتسم وقال لها مستدكا وانت كيف ستبيعين بضاعتك اذا وانت تعلمين هذا الامر ، اطمئني ستعودين ببضاعتك لبيتك الا ان تصادف معك بعض جماعتنا وقليل ماهم : اما انا فلدي الحلول وجوابي على سؤالك نعم لست وحدي فانظري هناك ، يشير الى رجل انسي في اطراف السوق قد تحلق الناس حوله ثم قال لها : اذهبي اليه واسترقي منه السمع والنظر وستفهمين الحكاية.

وفي غمضة عين اصبحت هناك ترصد ما يقول صاحبه وما يقول من كان حوله ، فوجدت رجلا يدّعي معالجة الناس بالاعشاب ويبدو انه كل اسبوع ياتي الى هنا يعرض شعوذته لياتيه زبائنه من كل مكان ، فهذا يصف له جذور نبات نبت فوق بيت نمل ، وذاك يصف له عشبة تسلقتها عنكبوت سوداء واخر يصف له اعشابا مر بجانبها غراب نادر  ، 

رات صاحبها وهو يُمَون صديقه الانسي بالبضاعة دون ان يراه احد فاقتربت منه وامسكت بيده وهمست في اذنه بكلمة ترنح منها وكاد ان يسقط على الارض من الفرح : احبك يا جني ، 

كيف تفوقت على هولاء المساكين فبعتهم الوهم ، التفت اليها مبتسما وقال : انه الجهل ياعزيزتي ولا غير  ، ومن خلال جهل بعضهم نعيش نحن في عز ورفاهية وامن وامان ، فطالما هم في حاجتنا ويخافون منا فنحن الاعلون ابتسمت ونظرت اليه باعجاب لا يخفى وكادت تقفز عليه لتقبله وتحتضنه من شدة اعجابها به ، ثم قال لها مستدركا : وستحبيني اكثر اذا علمتي كيف جعلت من هذه الحشائش بضاعة نادرة مرغوبة وبكثرة ، ولكن الان اخبربني انت كيف ستبيعين غرازك غراز مريم ؟

ضحكت وقالت وهل انا مجنونة لابيع اوراقا واغصانا طرية ندية بثمن بخس ساسير على خطاك ايها الحبيب ساتركها حتى تجف ليرتفع ثمنها فالانس يتعلقون لحاجتهم بخيط عنكبوت ،فقط عرفني على صاحبك لاجلب له المزيد كل اسبوع .

صمت قليلا واقترب منها ليهمس في اذنها التي لم يجدها ، فهي صمعاء ولا يوجد في اعلى خديها سوى خرمين صغيرين ، دنى منها وارسل كلمة حملتها انفاسه الحارة : احبك ياجنيه 

نظرت اليه ونظر اليها فتعانقا وثار في المكان معصار شديد كاد ان يحمل كل من كان في المكان .

 سال الناس بائع الاعشاب عن سر هذا الاعصار الذي نشأ من تحت قدميه فقال لهم لا عليكم هذا مجرد توقيع عقد شراكة وستجنون الخير من ورائه فقط اصبروا وسترون .

لقطة من الجزء الثاني

انزويا بعيدا عن السوق ليحكي لها عن اعجابه بجمالها ثم حدثها عن خوفه وانشغال باله من امر خطير  يهدد مستقبله فاذهلته بالاجابة؟ .

 غدا ان شاء الله الجزء الثاني من الحكاية فانتظروه

         تم النشر في يوم الاربعاء 1442/12/11

             ...............................................

                         الجزء الثاني

عندما عادت اليه وقد نفذت بضاعته  بكاملها من السوق  ، لم يكن امامها الا ان تعترف له بذكائه وفطنته فاصرت ان تعرف منه سر نجاحة في التسويق لاشياء لا قيمة لها .

انزويا للخديث في جانب من السوق ثم قالت : اخبرني عن سر ذكائك فنحن الجن اقل ذكاء من الانس وان تظاهرنا بعكس ذلك فالله يقول وكان كيد الشيطان ضعيفا .

ضحك وقال : نحن جن ولسنا بشياطين ولولا ذكائنا لما عرفنا الحق فاتبعنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فنحن خلاف الشياطين وهم مردتنا وليسوا باخواننا فكما ان لنا شياطين فللانس ايضا شياطين 

قالت ولكن اخاف ان خداعك لاخوانك الانس المسلمين في السوق من عمل الشياطين فبعتهم مالا يفيدهم وبعت عليهم الوهم بحجة ان ماتبيعه هو الدواء الناجع لكل امراضهم وانت تعلم ان ذلك غير صحيح ثم تمتمت في نفسها مستدركة :

       تأن ولا تعجل بلومك صاحب 

                        لعـل لــه عـذرا وانـت تلـوم .

قطع سودها بضحك هستيري وقهقه بصوت عال ثم قال لها : الدواء سبب ولكن الشفاء من الله سبحانه فلو اعتقد المريض ان شفاءه في رجل ضفدع اعور في غدير آسن لذهب لاحضاره ولو لم يجده الا بعد سنة وقد يشفى بسبب اعتقاده وليس لنجاعة الوصفه وقد يكون شفاؤه وهم ايضا  ، ثم ان هذه الاعشاب لها قصة غريبة ، اتدرين عن سر بيع بضاعتي وبسرعة  

قالت كلي اذان صاغية فهات حكايتك 

ضحك وقال واين اذنيك حتى اهمس لك فيها ياصميعة 

خجلت ثم قالت لا عليك فانا اسمعك بقلبي  فهات حكايتك .

بدأ بسرد حكايته قائلا :

اسمي خضير ، واملك شعبين في الجبل الشرقي من الاطاولة  وهما بالقرب من سوق الربوع  ، وهما معروفان باسمي  ، اسكن فيهما مع عيالي ونزرعهما وناكل من ثمارها .

وذات يوم حدث ما لم اكن احسب له حساب ، فقد اقبل علي انسي هو من جيراني اسمه ؟ ؟ يحمل محراثا ومدمسة وضمدا ويسوق امامه سانية من الثيران ، فما ان وضع سن محراثه في الارض حتى احسست بان طعنة قد اخترقت قلبي قبل ان تخترق الارض ، كانت المرة الاولى فهذا الرجل صاحب اذكار وعبادة ولكنه في ذلك اليوم بدأ عمله دون تسمية ولم اخذ حذري منه فاتجنب المكان حتى يعمل براحته واكون انا في مأمن .

حينها ثارت في نفسي غريزة التملك والدفاع عن حقي وحق عيالي  فالارض غاليه وان يعتدي عليك انسي في ارضك فكانما قتلك وشرد اسرتك ، 

اضطررت ان اخرج عليه بصورة رجل قوي فنحن لا نستطيع كما تعلمين ان نخرج بصورنا الحقيقية ، امسكت المحراث بيد ونفضت التراب والغبار عن رأسي ولحيتي بيد ثم امسكت بتلابيب الرجل وصرخت فيه ، ماذا تفعل ايها الغبي ، هل انت عاقل وتعي ما تفعل ؟

 ولكنه فاجأني بامر غريب لم اتوقعه .

 فقد كانت ردة فعله عادية جدا فلم يصاب بالرعب والخوف ولم يابه لي ولم يعرني اي اهتمام او خوف وكاني ذبابة وقعت على انفه فهشها بيده ثم عاد لعمله

                     في الجزء الثالث

ما الذي تنبات به صميعة في ذلك الحوار وقبل مئة سنه ووقع الان تماما .

     غدا نلتقي هنا مع الجزء الثالث من الرواية

     تم النشر في يوم الخميس  1442/12/12

      ...........................................................

الجزء الثالث 

هنا ضحكت صميعة وقالت لا تستغرب فسياتي زمان يخاف القط من الفأر والكلب من القط والثعلب من الديك ولن تقف على الانس والجن فقد نخاف حينذاك من الانس مثل غيرنا ،ثم اشارت اليه ان اكمل حديثك 

قال لها : لم اجد امامي حلا الا ان اعطل الياته فكلما غير حديدة المحراث كسرتها وكلما هدأت سانيته اثرتها عليه الى ان اضطررته للجلوس معي على مائدة المفاوضات ، فاتفقنا اخيرا كحل وسط يرضي الطرفين .

اتفقنا ان يكون المحصول الذي يكون تحت الارض عام لي وعام له وكذلك المحصول الذي فوق الارض 

 فبدانا اول عام فحصد ما كان تحت الارض بصلا وجزرا وبطاطس فاخذ هو ماتحت الارض وانا اخذت ما فوقها من اعلاف وحشائش ثم زرعنا في الموسم الذي بعده بطيخا وطماطما وقثاء وذرة  فاخذ هو مافوق الارض واخذت انا ما تحتها من جذور 

قاطعته صميعة : وتقول انك ذكي ؟ اين فطنتك ؟ هو ياخذ الثمار وانت تاخذ الحشائش والجذور التي لا فائدة منها !

ابتسم وقال لها :  لست وحدك من لامني على قبولي هذا الامر حتى زوجتي غضبت علي وتركتني وشردت عند اهلها ــ ( شردت كلمة تطلق على الزوجة حين تغضب من زوجها وتعود لاهلها ) ــ ولكن هذا نصيبنا بحسب اتفاقنا وليس عيبا ان اخسر جوله لاني ان رضيت ثم اجتهدت كسبت جولات وجولات   فالمنتصر هو من يضحك اخيرا . 

هنا تنحنحت صميعة وابتسمت ثم قهقهت ، احبك ايها الجني المثقف ، ثم قالت وبقية القصة انك حولت خسارتك الى مكاسب ، ضحك خضير وقال وانا احبك ايتها الجنية الصمعاء نعم ان تحويل الخسارة لمكسب يعد مهارة ممتعة لا يستطيعها الا الموفقون فكم من اناس عندما يخسرون تنافسا فانهم يستسلمون للعجز ولو انهم تنبهوا لحكمة الله في اقداره لحولوا التراب ذهبا . 

قالت له صميعة : كل لحطة ازداد بك اعجابا يا خضير 

نظر اليها وقال بما انك معجبة بي فهل من سبيل لاخطبك من اهلك ، فزوجتي لم تعد لبيتها بعد ، فهي رغم مبرراتي  لازالت ترميني بالقصور الذهني والغباء المركب  قالت له صميعة : على الرحب والسعة ، ولكن لدي شرط واحد وهو اني لا اريد ان يشاركني فيك احد فان وافقت  تعال الى اهلي في المساء فنحن نسكن في شعب جميل شمال قرية القسمة ولا تخف فمهري ميسور  فقط طلق زوجتك وتعال ، قالت هذا الكلام ثم نشأ معصار طويل حمل معه كل ما سقط من الهباط من اوراق وعلب فارغة وكراتين مؤذنا بمغادرتها السوق الى بيتها في شعبها العامر .

وفي المساء كان شرط اهلها قبل ان يطلبوا المهر غريبا ، 

فقد طلبوا منه ان يترك ارضه نهائيا ويسكن مع صميعة في شعبها 

وقف خضير وقال لهم بماذا تفرقون عن الانس ؟ لم اعرف هذا الشرط او المهر الغريب الا عندهم ، ايعقل ان تقلدوهم في سلبيات حياتهم ، قلدوهم في الايحابيات ادعى للبركة . قاطعة كبيرهم بقوله : ومن قال اننا نقلدهم ، هم الذين يقلدوننا فما هذه الشروط الا من ابتكار شياطيننا اوحوا بها لشياطينهم فزادوهم رهقا وابتعدوا عن ما شرع لهم من الحق والعدل ، ولكن اطمئن لن نشترط عليك طلاق زوجتك فنحن نخاف الله ولكن عليك بتنفيذ شرط صميعه فهذا شانها هي ولا اظن عليه بأس.

فقال لهم : اني اخاف ان يفقد مكاني في شعبي هيبته ويسرح الناس ويروحون في ارضي دون هيبة او خوف ولارايتبعد ان ارى في المستقبل بيوت الانس وقد انتشرت في ارجائي دون خوف مني حينها اين ابحث عن هيبتي ومكانتي 

قالت له صميعة : لا عليك لدي خطة اخيف بها كل انسي يمر من هناك حتى في غيابك ، سنقيم حفل زواجنا في ارضك ثم نعود هنا ولكن بشرط ان يحضر صاحبك الانسي الذي خدعك حفل زواجنا ، فسارد له الصاع صاعين وسانتقم منه شر انتقام  كانت تخطط لشيء ما 

وفي اليوم المحدد اقبلت صميعة ليلا وفي ابهى زينة ومعها اهلها وجماعتها يغنون ويرقصون وما ان وصلوا الى المكان حتى شاهدوا الرجل هذه المرة نائما بجوار مزرعته وكانه يحرسها من الجن والانس 

لقطة من الجزء الرابع والاخير 

استشاطت صميعة غيضا حين لم تره خائفا ولم يشاركهم فرحتهم وبهذا قررت حالا العودة لشعبها واكمال مراسم الاحتفال هناك ولترسم مكيدة جديده تكسر بها انفة ذلك الانسي .

غدا وهنا الجزء الرابع والاخير من روايتنا (خضير وصميعة)

       تم النشر في يوم الجمعة 1442/12/13هـ

           ..................................................

الجزء الرابع والاخير

كان ملتحفا جبة من الصوف السميك  نظر من كم جبته بعد ان سمع اصواتا وجلبة كثيرة فرأى خلقا كثيرا يحيطون به 

اقبلت صميعة اليه وادخلت راسها من كم الجبه وقالت له بالحرف الواحد وباسمه قم العب معنا وشاهد افراحنا لم يعرها اي اهتمام سحب اليه كم جبته وابحر في نوم عميق 

 استشاطت صميعة غيضا حين لم تره خائفا ولم يشاركهم فرحتهم وبهذا قررت حالا العودة لشعبها واكمال مراسم الاحتفال هناك ولترسم مكيدة جديده تنتقم بها منه

وصل الجميع لشعب صميعة لاكمال مراسم الفرح ثم قالت لخضير من الان انس ذلك المكان فتجاهل جارك الانسي لنا كفيلة ببقائك هنا وللابد 

هنا انتبه خضير لامر مهم وقال لقد تركت هناك كاس الشعر الذي اسقي به جيراني ، تنهدت ثم قالت صدقني رغم انك قبلت الانتقال الى هنا الا انني اجد في نفسي غيضا على ذلك الرجل الذي لم يحرك ساكنا او يعيرني ادنى اهتمام  وحتى نعيش بسعادة يجب ان يكون ذلك المكان بالنسبة لك شي من الماضي لا تفكر فيه ابدا

كانت تعد لخطة جريئة على ان تنفذها سرا فانطلقت لوحدها هذه المره الى ذلك الانسي فلم تجده في مكانه الاول ، بحثت عنه هنا وهناك حتى وجدته بجوار حصن الزوائح خلف الجبل الشرقي في الاطاولة وقد اوقد نارا يصطلي بها بجوار مراح اغنامه 

جلست امامه واخذت تقلد حركاته فان قام قامت وان جلس جلست وان مد يده مدت يدها وان نظر للسماء نظرت قال لها مستهزئيا : خير وش عندك جيتيني في نص هالليل تراني شبعت ورويت منكم وما عاد تحركون في شعره ، قومي تسهلي لاهلك 

قالت : انتم ياجيران شعب خضير سمعت انكم شعراء رجال ونساء قال الحمد لله هذا من فضل ربي. 

ضحكت وقالت صحيح ولكن لكاس خضير فضل ايضا  قال : وش قلتي؟ وش كاس خضير وش فنجانه ؟ قالت علمني خضير بانه كان يسقيكم الشعر  قال : الصلاح من الله ، والله ماعنده الا الخرطي ليته يسقي نفسه مويه  ضحكت وقالت بس اعحبني بعض شعركم ، اسمع هالبيتين 

في ما مضى كنت اقنص الصيد جافل 

وان شافني ينحاش ويليه ( يعني جهتي )

واليوم لامن شافني راح جافل 

كن البلا والموت له بين عينيه

ضحك وقال هذي قالها ابن عمي ؟ وهو صادق اللي عمره وارد مو مثل المصدر  ولكن والله ماتتمدحون بها هذي من خشعته وكاسكم ما نعرفها ولا نعرف طاستكم ولافنجالكم 

قالت من دوننا صدقني نا تعرفون تصفون بيتين وان كان انك قد كلامك وان كاسنا ما شربت منه فورني شطارتك 

قررت ان تحرجه بحيث تحاوره شعرا وكاس الشعر المزعوم بعيدا عنه ، ثم بدأته ببيت فاذهلها بسرعة بديهته ورده عليها شعرا لا نثرا  :

يابن ؟ تجمل فـي ضيوفـك 

             فاترى اهلي وعماني هنيه

قال ما عندي الا عشر معزا 

              ضاننا غايبه ماهي هنيه

قالت الا نحاها في مراحك 

                غير ما ودك الا بالجفيه

قال بعطيك ماجودي ولزه 

          فان ما حق لك حق ن عليه

قالت انا كما خيل جموحي 

          شارب الخمر يعطيها هواها 

 قال عندي خطامك والعنان 

            ذا يرد الجموح على وراها 

 قالت وانا كما نخله طويله

          ما غلام ن تمدح في جناها 

قال وانا كما صقر الهواوي 

               باتعلاك واكل من جناها 

قالت وانا كما بير طويله 

              ما غلام تمدح في بناها 

قال عندي غروبك والعدادي 

           والمسنات اطال الله بقاها 

 قالت هيا معي واعطيك بنتي

             زينها يروي قلوب ضميه

 قال مالي لمحة ف الصبايا 

          اخاف من خالقي يزرا عليه 

قالت هيا معي ويلا دياري 

          فدياري كما الروضه حياها 

قال مالي بحاجة في ديارك

             وديارك محمد ما مضاها .

هنا علمت بان محدثها ليس فقط لم يخف منها او من صاحبها بل ان شعره منبعه ملكة ذاتية ولا دخل للجن فيه فالكاس الذي كانوا يعتقدون انه يشرب فيه ومنه الشعر اصبح كلاما لا دليل عليه 

احب ان ينام وينهي هذا الحوار وقبل ان يودعها القى عليها بيتين من شعر بعض اقاربه ينطبق عليها لانها تريد شيئا وتستني اي توعد به بني جنسها ولكنها ما تستطيعه وهكذا هم الجن كثير من الناس يتوقعون منهم اشياء وهم لا يستطيعون فجن سليمان عليه السلام لم يعلموا عن موته الا بعد ان سقط على الارض ، فقال لها 

يقول بن ؟  ياسين ياسين

في ما مضى وانا عقيد السرية 

من قال لك يازحله انك تسنوين 

تورطين الضمد ع القاهرية 

اي من قال لك تيتنين لربعك بعمل شي وانت لسترقد كلامك  وما تستطيعين الفعل اما الكلام سهل 

 ولينهي الحال معها استغل مالاحظه علبها بانها تقلده في كل شي فامسك بعود فيه نار واوهمها بانه يحك به ظهره ففعلت مثله وصرخت حين احترق ظهرها  ولحسن حظها انا المكان قريب من نبع ماء اسمه عين المحيرف غزيرة المياه القت نفسها في احد غدرانها وابتردت ثم نهضت وعادك لشعبها لتعيش مع خضير في سعادة وانس وكان من اهم مراسم احتفالاتهم ان جعلوا كاسيهما الشعريان في مرمى مهملاتهم فقد ثبت لهما ان لا علاقة بين شعر جار صميعة وشعرجيران خضير البته فثقافة الانس وشاعريتهم وذكاءهم وشجاعتهم لا تحتاج لموثرات خارجية فقررا ان يعيشا بامان دون كذب بعيدا عن اخافة الناس وارهابهم فابتنى الناس في شعبيهما بيوتا وجاوروهم وعلم كل فريق حق جاره فعاش الجميع في جيرة حسنة وامن وامان


اخي حسن

اما خضير فابلغه انه لو عاد الينا فلن يجد مقرا فقد اصبح المكان عامرا بسكان جدد لا يعترفون بوحوده في المكان اصلا ناهيك عن كاس شعره الوهمي ...  والسلام 

نشر هذا الجزء وهو الرابع والاخير يوم السبت 1442/12/14 هـ

TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Edit in JSFiddle JavaScript